[المطلب الثالث]
العقل والنقل بين السلف والخلف
· أيهما يقدم على الآخر : العقل أم النقل ؟
· العقل أصل فى العلم بالنقل وليس أصلا فى ثبوته .
· مثل العامى المستفتى مع الدال على المفتى .
· كثير ممن قدم العقل على النقل اعترف بحيرته وضلاله .
· من أعرض عن القرآن فجهله بسيط أو مركب .
· هل السلف أصحاب جمود عقلى ؟ ومتى يقدم العقل ؟
· تقديم العقل فى باب الأمر يؤدى إلى بدع العبادات .
· بدع الاعتقادات سببها تقديم العقل على النقل فى باب الأخبار .
· المقصود بمصطلح السلف والخلف .
· ذم السلف الصالح للمبتدعة وعلماء الكلام .
· طريقة الخلف ليست أسلم من طريقة السلف .
العقل والنقل بين السلف والخلف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فى هذا المطلب نتناول إن شاء الله الحديث عن العقل والنقل بين السلف والخلف من خلال المحاور التالية :
أيهما يقدم على الآخر العقل أم النقل
قال علماء الخلف من المتكلمين : العقل أصل فى ثبوت النقل ، فلابد من تقديم العقل على النقل .
فرد علماء السلف وقالوا : العقل أصل فى العلم بالنقل ، والنقل ثابت قبل العقل .
قال فخر الدين الرازى (ت : 606) : " إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية ، أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية ، وجب تقديم العقل ؛ لأن العقل أصل النقل ... ثم النقل إما أن يُتأَول أو يُفَوَّض ".
وقال أبو حامد الغزالى : " من أخذ علمه من العبارات والألفاظ ضل ضلالا بعيدا ، ومن رجع إلى العقل استقام أمره وصلح دينه " .
وهذا الكلام جعله المتكلمون قانونا شاملا ، أطلقوا عليه ما يسمى بالقواطع العقلية التى يقيسون عليها كتاب الله وسنة رسوله r .
العقل أصل فى العلم بالنقل وليس أصلا فى ثبوته
النقل لا يتوقف ثبوته على حكم العقل بصدق النقل ، فالوحى ثابت فى اللوح المحفوظ قبل وجود العقلاء ، قال تعالى : " إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ " ( الواقعة : 77 ،78)
وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : خرج علينا النبى صلى الله عليه وسلم يوما فقال :
" عرضت علىّ الأمم ، فجعل يمر النبى ومعه الرجل ، والنبى معه الرجلان ،
والنبى معه الرهط ، والنبى ليس معه أحد ". ( البخارى ومسلم )
والشاهد من الحديث أن هذا النبى الذى جاء يوم القيامة ، ولم يصدقه عاقل واحد ، لا يتوقف صدقه على إيمان العقلاء .
قال ابن تيمية رحمه الله : " عدم علمنا بالحقائق لاينفى ثبوتها ، فما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فإنه ثابت ، سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه .
ومن أرسله الله تعالى إلى الناس فهو رسوله ، سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا .
وما أخبر به فهو حق وإن لم يصدقه الناس ، وما أمر به عن الله فالله أمر به وإن لم يعلمه الناس .
فثبوت الرسالة ، وثبوت صدق الرسول ، وثبوت ما أخبر به ، ليس موقوفا على وجودنا أو عقولنا "
ومن ثم فإن العقل ليس أصلا فى ثبوت النقل ، ولا يقدم بحال على النقل ، ومهمة العقل تجاه النقل : تصديق المنقول إن كان خبرا تصديقا جازما ، يبلغ حد اليقين الذى ينافى الشك ، ولا يرد الأدلة ويعطلها ، بزعم أنه من المدرسة العقلية ، التى تحكم العقل فى قبول ما ورد من الغيبيات .
وأصحاب المدرسة العقلية وضعوا قواعد عقلية ، وأخذوا يبحثون فى القرآن والسنة وغايتهم أن يجدوا ما يوافق معقولاتهم وآرائهم ، فإن وجدوا ما يخالف مذهبهم ، قاموا بتأويل الآيات بغير دليل، أو رد الأحاديث الصحيحة، بزعم أنها رواية آحاد ، لا تفيد اليقين فى أمور الاعتقاد .
مثل العامى المستفتى مع الدال على المفتى
شأن العقل مع النقل ، كشأن المستفتى مع المفتى ؛ فإذا سأل المستفتى عن منزل العلم المفتى ، فدله عليه أحد العامة ، ثم اختلف المفتى مع العامى فى حكم من ألأحكام ، فقال العامى للمستفتى : خذ برأيي ، ولا تأخذ برأى المفتى ؛ لأننى أنا الأصل فى علمك بأنه المفتى .
فأجابه المستفتى : أنت لما شهدت بأنه المفتى ، ودلتنى عليه ، شهدت بوجوب اتباعه دون اتباعك ، فوجب قبول قول المفتى لا قولك .
كثير ممن قدم العقل على النقل اعترف بحيرته وضلاله
قال ابن تيمية رحمه الله : " لو سوغ للناظرين أن يعرضوا عن كتاب ربهم ، ويعارضوه بآرائهم ومعقولاتهم ، لم يكن هناك أمر مضبوط يحصل لهم به علم ولا هدى .
فإن الذين سلكوا هذه السبيل ، كلهم يخبر عن نفسه بما يوجب حيرته وشكه .
فثبت بشهادته، وإقراره على نفسه ، وشهادة المسلمين الذين هم شهداء الله فى الأرض ، أنه لم يظفر من أعرض عن الكتاب ، وعارضه بما يناقضه بيقين يطمئن إليه، ولا معرفة يسكن بها قلبه".
قال فخر الدين الرازى :
نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعى العالمين ضلال
وأرواحنا فى وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
ثم قال : " لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفى عليلا ، ولا تروى غليلا ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن . اقرأ فى الإثبات : " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " ( طه : 5) واقرأ فى النفى : " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " ( الشورى : 11) ومن جرب مثل تجربتى عرف مثل معرفتى ".
وهذا إمام الحرمين أبو المعالى الجوينى ترك ما كان ينتحله ، واختار مذهب السلف ، وكان يقول : " ياأصحابنا لا تشتغلوا بالكلام ، فلو أنى عرفت أن الكلام يبلغ بى ما بلغ ، مااشتغلت به " .
وكذلك ابن الفارض الصوفى الذى زعم أن محبة العباد لربهم تصل إلى اتحاد الذوات ، فأنشد عند وفاته : إن كان منزلتى فى الحب عندكم ما قد لقيت فقد ضيعت أيامى
أمنية ظفرت بها نفسى يوما واليوم أحسبها أضغاث أحلام
من أعرض عن القرآن فجهله إما بسيط وإما مركب
قال ابن تيمية رحمه الله : "من أعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه ، لم يعارضه إلا بما هو جهل بسيط ، أو جهل مركب، وأصحاب القرآن والإيمان الذين اتبعوا النور الذى أنزل على محمد ، فى نور على نور .
فأهل الجهل البسيط من هؤلاء : هم أهل الشك والحيرة المعارضين للكتاب المعرضين عنه ، وأهل الجهل المركب : أرباب الاعتقادات الباطلة التى يزعمون أنها عقليات ".
وأكثر المعرضين عن هداية ربهم ، المقدمين لعقولهم ، إذا لم يتبين له الهدى فى طريقته التى اختارها ، نكص على عقيبه ، واشتغل باتباع شهوات الغى فى بطنه وفرجه ، أو رياسته وماله ، ونحو ذلك ؛ لعدم اليقين الذى يطمئن إليه قلبه .
قال ابن عباس رضى الله عنهما : " تكفل الله لمن قرأ القرآن أن لا يضل فى الدنيا ، ولا يشقى فى الآخرة . ثم قرأ : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى " ( طه : 124)
هل السلف أصحاب جمود عقلى ؟ ومتى يقدم العقل ؟
هنا سؤال ربما يطرحه بعض المفتونين بالعقل من المتكلمين ، أو أصحاب المذاهب العلمانية : هل معنى ذلك أن عقيدة أهل السنة والجماعة تحارب العقل ، وتجعله أسيرا للنقل ؟
والجواب : إن العقول تختلف فى نظرتها للأشياء حسنا وقبحا ، فما يراه العاقل خيرا ، قد يراه غيره شرا ، ولذلك تشتعل الخلافات ، فالحكم بالحسن والقبح على الأشياء مرده إلى النقل ، فيما يتعلق بالأحكام الشرعية التكليفية : الواجب والمستحب والحرام والمكروه ، ولن يجد عاقل فى فطرته ما يخالف الأحكام الإسلامية .
وأما العقل فمجاله النظر فى الأسباب والمباحات ، وإعمال الفكر فيما يؤدى إلى إظهار الدين ، ونصرة المسلمين ، والعمل بمقتضى القرآن ، والرد على المخالفين .
تقديم العقل على النقل فى باب الأمر يؤدى إلى بدع العبادات
إذا قدم العقل على النقل فى الأحكام الشرعية التكليفة : الواجب ، والمستحب ، والمحرم ، والمكروه ، فسوف تظهر البدعة فى الإسلام ، وتصبح الشريعة ألعوبة فى يد المبتدع .
والأحكام التكليفية خمسة ، وهى :
1- الواجب : ويسمى أيضا بالفرض . وهو : ما يعاقب تاركه، ويثاب فاعله . ومثاله :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ " (البقرة : 183)
2- المستحب : ويسمى بالمندوب أو السنة . وهو : ما يثاب فاعله ، ولا يعاقب تاركه . ومثاله :
قول النبى r: " صلوا قبل صلاة المغرب " قال فى الثالثة : " لمن شاء " .
3- المباح : ما لا يثاب على فعله ، ولا يعاقب على تركه . ومثاله : الأمر بالانتشار فى الأرض بعد صلاة الجمعة : " فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ " (الجمعة : 10)
4- المكروه : هو ما يثاب تاركه ، ولا يعاقب فاعله . كترك أكل الثوم والبصل .
5- المحرم : وهو ما يثاب تاركه ، ويعاقب فاعله . كقوله تعالى : "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ" (المائدة :3)
قال ابن تيمية رحمه الله : " من تعبد بعبادة ليست واجبة ولا مستحبة ، وهو يعتقدها واجبة أو مستحبة ، فهو ضال مبتدع، بدعة سيئة ، لا بدعة حسنة باتفاق أئمة الدين ، فإن الله لا يعبد إلا بما هو واجب أو مستحب ".
بدع الاعتقادات سببها تقديم العقل فى باب الأخبار
كبدعة المعتزلة فى القول بخلق القرآن التى فرضها الخليفة المأمون ، وقتل فيها المئات من المسلمين ، فلما أصر المعتزلة على نفى صفة الكلام عن الله بعقولهم الفاسدة ، تبادر إلى الذهن سؤال هام وهو : إذا كان الله لا يتكلم ، فهذا القرآن كلام من ؟ فقالوا : كلام محمد r ، ولما كان محمد r مخلوقا فكلامه مخلوق . وقد تخبط كثير منهم ، فمرة ينسبونه إلى جبريل عليه السلام، ومرة ينسبونه إلى محمد r .
ذم السلف الصالح للمبتدعة وعلماء الكلام
جاء رجل إلى الإمام مالك بن أنس رحمه الله ، فقال : ياأبا عبد الله ، من أين أحرم ؟ قال : "من ذى الحليفة من حيث أحرم رسول الله r " . فقال : إنى أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر . قال : " لا تفعل ، فإنى أخشى عليك الفتنة " . قال : وأى فتنة فى هذه ؟ إنما هى أميال أريدها . قال : " وأى فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله r فإن الله تعالى يقول :
" فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ( النور : 63)
وقال الفضيل بن عياض : " صاحب بدعة لا تأمنه على دينك ، ولا تشاوره فى أمرك ، ولا تجلس إليه ، ومن جلس إلى صاحب بدعة ، أورثه الله العمى ".
المقصود بمصطلح السلف والخلف
مصطلح السلف : السلف لغة : هو الماضى .
وأما السلف فى الاصطلاح فيمكن تحديده من خلال عاملين :
أولا : العامل الزمنى : ويتناول كل من أدرك عصر خير القرون .
قال رسول الله r : " خير الناس قرنى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " ( البخارى )
قال ابن حجر رحمه الله : " واتفقوا أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله ، من عاش إلى حدود العشرين ومائتين .
وفى هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا ، وأطلقت المعتزلة ألسنتها ، ورفعت الفلاسفة رؤوسها ، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن ، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ، ولم يزل الأمر فى نقص إلى الآن ، وظهر قوله r : " ثم بفشو الكذب ، ظهورا بينا حتى يشمل الأقوال والأفعال والمعتقدات، والله المستعان ".
فالعامل الزمنى يقصد به تلك الفترة الزمنية الممتدة من عصر النبوة ، والتى تمثل نقاء الفهم والتطبيق لكل ما ورد فى الكتاب والسنة ، إلى زمن الخليفة العباسى المأمون بن هارون ، حين ظهرت المذاهب البدعية ، والفلسفات العقلية.
ثانيا : العامل المنهجى : والمقصود به الإيمان والتسليم لكل ما ورد فى القرآن ، والتصديق به تصديقا جازما يبلغ حد اليقين ، وتنفيذ الأمر الشرعى تنفيذا كاملا . ويرون الحق فيما نزل من عند الله ، ويتهمون أنفسهم وعقولهم إذا عارضت كتاب الله وسنة رسوله r . وصفهم كما ورد فى قوله تعالى :" وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ " ( سبأ : 6)
ومن علماء السلف : الأئمة الأربعة ، والثورى ، وبن عيينة ، وبن المبارك ، وأصحاب الكتب الستة ، وأما من جاء بعدهم ، وسار على دربهم فهو من خير خلف لخير سلف ، وإن لم يدخل تحت السلف اصطلاحا ، ومنهم : الأشعرى ، وابن القيم ، وابن تيمية ، وابن كثير ، وغيرهم .
مصطلح الخلف : الخلف لغة : القرن بعد القرن . وأما الخلف فى الاصطلاح فيتم تحديده أيضا من خلال عاملين :
أولا : العامل الزمنى : ويتناول كل من أعقب عصر السلف ، وبدايته منذ سيطرة المعتزلة على الخلافة الإسلامية فى عصر المأمون .
ثانيا : العامل المنهجى : هو اتباع أصحابه للمنهج الكلامى والمنطق اليونانى ، واعتباره ميزانا لقياس الأمور العقائدية ، وما عارضه من نصوص الوحى جعلوها أدلة ظنية لا تفيد اليقين ، أو مجازات واستعارات خيالية لا حقيقة لها .
قال ابن حجر رحمه الله : " وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة فى غالب الأمور التى أنكرها أئمة التابعين وأتباعهم ، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان ، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلا يردون إليه ما خالفه من الآثار ، ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن ما حصلوه هو أشرف العلوم ، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف ، واجتنب ما أحدثه الخلف "
طريقة الخلف ليست أسلم من طريقة السلف
قال ابن تيمية رحمه الله : " فمن المحال فى العقل والدين أن يكون السراج المنير الذى أخبر الله تعالى بأنه أكمل له ولأمته دينهم ، أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله ملتبسا مشتبها ، ولم يميز ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وما يجوز عليه وما يمتنع ، فإن معرفة هذا أصل الدين ، وأساس الهداية ، وأفضل ما اكتسبته القلوب ، وحصلته النفوس .
ومن المحال مع تعليمه لأمته كل شئ ، لهم فيه منفعة وإن دقت ، أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم وقلوبهم فى ربهم ومعبودهم ، الذى معرفته غاية المعارف ، وعبادته أشف المقاصد ، والوصول إليه غاية المطالب .
ثم من المحال أيضا أن تكون خير القرون الفاضلة ، القرن الذى بعث فيهم رسول الله r ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، كانوا غير عالمين ، ولا قائلين فى هذا الباب بالحق المبين .
فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم ، ولا أن يعتقد أن الخلف أعلم من السلف ، أو أن طريقة السلف أسلم ، وطريقة الخلف أعلم وأحكم ، ظنا أن طريقة السلف هى : مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك .
وأن طريقة الخلف هى : استخراج معانى النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة ".
وقال ابن القيم رحمه الله :
"ومن المحال أن يكون تلاميذ المعتزلة ، وورثة الصابئين ، وأفراخ اليونان ، الذين شهدوا على أنفسهم بالحيرة والشك ، وعدم العلم الذى يطمئن إليه القلب ، وأشهدوا الله وملائكته عليهم به ، وشهد به عليهم الأشهاد من أتباع الرسل ، أعلم بالله وأسمائه وصفاته ، ممن شهد لهم الله ورسوله r بالعلم والإيمان وفضلهم على من سبقهم ، ومن يجئ بعدهم إلى يوم القيامة ، ما خلا النبيين والمرسلين ، وهل يقول هذا إلا غبى جاهل ، لم يقدر قدر السلف ، ولا عرف الله ورسوله وما جاء به " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق