مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

الإيمان قول ، وعمل ..

يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ..

يزيد بالتفكر ، وينقص بالغفلة ..

يزيد بالتصديق والامتثال ، وينقص بالشك والإعراض ..

هيا نؤمن ساعة .. مدونة تزيدك إيمانا ..

بعلم نافع تتعلمه .. بعبرة تعتبر بها .. بسنة تمتثلها .. بآية تتدبرها .. بشبهة تمحوها ..

صفحاتها : روضة من رياض الجنة

تأنس فيها بذكر الله .. وترضى فيها بشرعه .. وتتدبر أمره ونهيه ..

اغتنم خيرها بالعمل بما فيها ، والدعوة إليه .

كان من دعاء ابن مسعود رضى الله عنه :

" اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها " .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


الخميس، 2 يونيو 2011

المطلب الثانى : هل يتعارض العقل مع النقل


[ المطلب الثانى ]
هل يتعارض العقل مع النقل

·      العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح .

·      الهداية فى قيادة النقل الصحيح للعقل الصريح .

·      الضلال فى قيادة النقل الباطل للعقل الصريح .

·      الوعيد الشديد لمن لم يلتزم بالنقل الصحيح .

·      أسباب التعارض بين العقل والنقل .

·      السبب الأول : عدم ثبوت النقل وأمثلته .

·      السبب الثانى : عدم فهم العقل للنقل وأمثلته .





هل يتعارض العقل مع النقل
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
    فى هذا المطلب نتناول إن شاء الله الحديث عن قضية التعارض بين العقل والنقل ، لم لها من أهمية كبيرة فى تحديد هوية أهل السنة والجماعة ، وتمييزهم عن غيرهم .
العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح

    من المحال أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح ، بل العقل الصريح يشهد للنقل الصحيح ويؤيده ، والسبب فى ذلك وحدة المصدر ؛ فالذى خلق العقل هو الذى أرسل إليه النقل ، وهو سبحانه أعلم بصناعته لعقل الإنسان ، وأعلم بما يصلحه فى كل زمان ومكان ، فإذا وضع نظاما ببالغ علمه وحكمته لصلاح صنعته ، والتزم الإنسان بمنهجه وشرعته ، كان من المحال أن يضل أو يشقى ، أو يعيش معيشة ضنكا ، إذا اتبع هداية الله .
الهداية فى قيادة النقل الصحيح للعقل الصريح
    والدليل قوله تعالى :
         " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ
   وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ( الشورى : 52)
  وقال تعالى :   "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
                          لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ" ( المائدة : 66)
  وقال تعالى :             " فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
  وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "( الأعراف : 157)
    وقد بين النبى r أن صلاح الإنسانية فى اتباع منهجه فى الحياة ، وأن سنته وحدها هى سبيل النجاة فقال :
" كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى "
قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال :
" من أطاعنى دخل الجنة ، ومن عصانى فقد أبى "  ( البخارى )
وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال : خط لنا رسول الله r خطا ، ثم قال :
" هذا سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال : " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه " ثم قرأ :
" وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
        ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ( الأنعام : 153)
الضلال الحقيقى فى قيادة النقل الباطل للعقل الصريح

    لا يمكن لعاقل يعلم أن صلاح الصنعة فى اتباع نظام التشغيل الذى وضعه صانعها الموصوف بالعلم والخبرة وجودة الصنعة ، ثم يعمد إلى نظام بديل لا علاقة له بالصنعة فى قليل أو كثير ، قد وضعه إنسان عاجز فقير . وكذلك لم نر عاقلا لديه صنعة قيمة ، وقد عجز عن تشغيلها ، ثم ذهب فى إصلاحها إلى غير وكيلها أو مصنعها .
    فإذا كان المسلم العاقل مقرا بذلك فيما يحدث بين البشر ، فكيف يترك هداية الله ، ويطلب الهداية ويستوردها من تشريعات اليهود والنصارى ، وعباد الهوى فى الشرق والغرب . قال تعالى:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ "
( آل عمران : 100)
وقال تعالى:     " وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا "( البقرة : 135)
   
وقال رسول الله r : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ،
حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه " .
قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال: " فمن ؟ "
الوعيد الشديد لمن لم يلتزم بالنقل الصحيح

    من المعلوم أن الصانع يضع شروطا دقيقة لضمان الصنعة ضد عيوب التشغيل ؛ فيلتزم بان صنعته لا يمكن أن تفسد إذا التزم المشترى فى تشغيلها بدليل التشغيل .
    فإذا فسدت الصنعة نتيجة عدم التزام المشترى بدليل التشغيل ، فإنه لا يمكن أن يطالب المصنع بإصلاح الصنعة ، بل لابد أن يدفع التكلفة اللازمة لإصلاحها .
    كذلك لم نر مهندسا يدير مصنعا ، فيقصر فى إدارته ، ويعبث بأجهزته على مايهواه ، ويخرب المصنع لصاحبه ، ثم لا يعاقبه صاحب المصنع بالحبس ،أو الغرامة ، أو فقدان الوظيفة .
    إذا كان ذلك معلوما فى تعامل المخلوق مع المخلوق ، ألا يستحق الإنسان شديد العقاب لو أفسد صنعة الله ، وقد وضع له نظاما فى حياته يسعده فى دنياه وبعد مماته ، ثم يظلم نفسه أو غيره باتباعه نظاما باطلا ، من وضع إنسان عاجز فقير من أمثاله . قال تعالى :
         " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ " ( الروم : 41)
وقال تعالى : " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ " ( الكهف : 57)
وقال تعالى :         " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ " ( المائدة : 44)
    وروى البخارى من حديث عروة بن الزبير أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير فى شراجٍ من الحَرة ، يسقى بها النخل ، فقال رسول الله r :
" اسقِ يا زبير ، فأمره بالمعروف، ثم أرسل إلى جارك "
فقال الأنصارى : أن كان ابن عمتك ؟ فتلون وجه رسول الله r ثم قال :
" اسقِ ثم احبس يرجع الماء إلى الجَدر "
واستوعى له حقه . فقال الزبير : والله إن هذه الآية أنزلت فى ذلك :
" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
               ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " ( النساء : 65)
أسباب التعارض بين العقل والنقل

    العقل والنقل وسيلتان لغاية واحدة هى : الوصول إلى الله ، والوسائل التى تؤدى إلى غاية واحدة لا يمكن أن تتعارض . وما خالف النصوص الصحيحة فهو إما شبهات فاسدة ، يعلم بالعقل بطلانها ، بل وثبوت نقيضها الموافق للشرع ، أو أحاديث موضوعة ودلالات ضعيفة .
   قال ابن تيمية رحمه الله : " العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ولكن كثيرا من الناس يغلطون إما فى هذا وإما فى هذا "
    وقال : " المنقول عن الأنبياء لا يخالف بعضه بعضا ، ولكن كثيرا من الناس يظن تناقض ذلك ، وهؤلاء من الذين اختلفوا فى الكتاب ، وإن الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد " .
    وقال : " الرسل لا بخبرون بمحالات العقول ، بل بمحارات العقول ، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه ، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته ".
السبب الأول للتعارض : عدم ثبوت النقل
    إذا تعارض العقل مع النقل فالسبب الأول أن النقل لم يثبت ، فينسب مدعى التعارض إلى دين الله ما ليس منه ، كالذين ينقلون للناس الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة .
    فماذا يصنع العاقل إذا سمع مرة خطيبا يذكر حديث يرفعه إلى رسول الله r :
" إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فجرى بما هو كائن إلى الأبد"  ( صحيح الجامع )
    ثم يسمعه مرة أخرى يروى حديثا آخر فيه :
" أول ما خلق الله العقل ، فقال له : اقبل . ثم قال : وعزتى وجلالى ماخلقت أشرف منك ".
    ثم يسمع خطيبا آخر يروى حديث عن النبى r : "أول ما خلق الله نورى "
    فالعاقل يقف حائرا بين تلك الروايات ، ومن الخطأ التوفيق بينها قبل البحث عن ثبوتها ، وبالبحث وجد أن الحديث الأول صحيح ، وأما الثانى فموضوع باتفاق .
    وأما الثالث فجزء من حديث موضوع من اختراعات الصوفية ، التى تخرب العقيدة فى نفوس المسلمين ، وأمثال هذه الأحاديث هى التى تحدث الفوضى ، وتدعو إلى تعارض العقل مع النقل ، وينبغى على أهل العلم أن يتقوا الله فى نقل الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، بزعم أنها ترغب الناس فى الإيمان والطاعة ؛ فإنها تفتح باب البدعة على مصراعيه .
    وقد ذكر العلامة ابن القيم أمثلة كثيرة للأحاديث الموضوعة تبين منافاتها للعقل الصريح ، مثل الحديث الموضوع الذى فيه :
" عليكم بالعدس ، فإنه يرقق القلب ، ويكثر الدمعة ، قدس فيه سبعون نبيا "
    وقد سئل عبد الله بن المبارك عن هذا الحديث ، وقيل له أنه يروى عنك ، قال :
    " وعنى ؟ ما أرفع شيئا فى العدس ، إنه شهوة اليهود ، ولو قدس فيه نبى واحد لكان شفاء من الأدواء ، فكيف بسبعين نبيا ، وقد سماه الله أدنى ، وذم من اختاره على المن والسلوى ، وجعله قرين الثوم والبصل ".
السبب الثانى : عدم فهم العقل للنقل

    إذا صح النقل ولم يفهمه العقل ، فلابد من تنزيه كلام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عن التضارب والخطأ ، ورد العيب إلى قصور العقل فى إدراك الفهم الصحيح .
    فإن كتاب الله وحى لا يأتيه الباطل من بين يديه فيتعارض ظاهرا ، ولا من خلفه فيتعارض باطنا . قال تعالى:
" لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ " ( فصلت : 42)
    وقال تعالى فى بيان أن تعظيم كلام الله وخشيته وتقواه سبب فى فتح الله على القلوب بالعلم :
" وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " ( البقرة : 282)
ومن أمثلة التعارض بين العقل والنقل ، بسبب عدم فهم العقل لما صح فى النقل  :
(1)
    ادعاء بعض المستشرقين التعارض بين آيات القرآن فى إثبات الهداية للنبى r ، ونفيها عنه فقال تعالى فى إثباتها وقال :      " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ( الشورى : 52)
وقال نافيا لها :         " إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " ( القصص : 56 )
    ومعلوم أن الهداية المثبتة للنبى r هى الهداية الشرعية التكليفية ، وهى هداية البيان والدلالة والإرشاد ، وأما تلك الهداية المنفية عن النبى r  فهى الهداية الكونية التى قدرها الله لمن شاء .
(2)
    ادعاء كثير من المستشرقين ، وأتباعهم من العلمانيين تعارض حديث الذباب مع العقل الصريح ، وهو حديث صحيح رواه البخارى من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى r قال:
" إذا وقع الذباب فى إناء أحدكم ، فليغمسه كله ، ثم ليطرحه ،
      فإن فى أحد جناحيه شفاء ، وفى الآخر داء "
    وقد بان على لسان الغربيين أنفسهم أنه إحدى معجزات النبى صلى الله عليه وسلم الطبية التى يجب أن تسجل بأحرف ذهبية ، حيث أثبتت التجارب العلمية أن هناك خاصية فى أحد جناحى الذباب ، هى أنه يحول البكتريا إلى ناحية منه ، وعلى هذا فإذا سقط الذباب فى شراب ، وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه فيه ، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم هو مبيد البكتريا فى الجناح الآخر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فيكم ويا حبذا لو يتم تحميل كل الدروس والدورات لان غالب كتب الشيخ بصيغة pdf وليست word

    ردحذف