مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

الإيمان قول ، وعمل ..

يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ..

يزيد بالتفكر ، وينقص بالغفلة ..

يزيد بالتصديق والامتثال ، وينقص بالشك والإعراض ..

هيا نؤمن ساعة .. مدونة تزيدك إيمانا ..

بعلم نافع تتعلمه .. بعبرة تعتبر بها .. بسنة تمتثلها .. بآية تتدبرها .. بشبهة تمحوها ..

صفحاتها : روضة من رياض الجنة

تأنس فيها بذكر الله .. وترضى فيها بشرعه .. وتتدبر أمره ونهيه ..

اغتنم خيرها بالعمل بما فيها ، والدعوة إليه .

كان من دعاء ابن مسعود رضى الله عنه :

" اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها " .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


الخميس، 2 يونيو 2011

المطلب الرابع : طريقة الصحابة فى فهم العقيدة


[المطلب الرابع]
طريقة الصحابة فى فهم العقيدة
·     مراتب الناس فى تصديق الخبر .
·     منهج الصحابة والتابعين فى فهم القرآن والسنة .
·     موقف الصحابة من خبر الله و رسوله صلى الله عليه وسلم .
·     موقف الصحابة فى باب الأمر والطلب .
·     الإيمان فى باب الأخبار له ستة أركان .
·     الإيمان فى باب الأمر له ثلاثة أركان .
·     اليقين المنافى للشك من شروط لا إله إلا الله .
·     ما معنى الإيمان فى حديث سفيان ؟





طريقة الصحابة فى فهم العقيدة
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
    فى هذا المطلب نتناول بإذن الله الحديث عن طريقة الصحابة والتابعين فى فهم العقيدة بفطرتهم النقية ، دون عقليات كلامية ، أو تعقيدات فلسفية ، من خلال المحاور التالية :
مراتب الناس فى تصديق الخبر
    الخبر هو : ما يحتمل الصدق أو الكذب ، ويتطلب التصديق .
    والأمر هو : ما لا يحتمل الصدق أو الكذب ، ويتطلب التنفيذ .
    روى البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال :
    " لما نزلت " وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " صعد النبى r إلى الصفا ، وجعل ينادى : يابنى فهر ، يابنى عدى لبطون قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج ، أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش . فقال :
" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى ؟ "
 قالوا : نعم . ما جربنا عليك إلا صدقا . قال : " فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد ".
 قال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ".
    والشاهد من الحديث أن الخبر هو : ما يتطلب التصديق ، وهو واضح من قوله r: " أرأيتكم لو أخبرتكم "  ، وقولهم : ما جربنا عليك إلا صدقا .
    والناس فى مراتب التصديق بخبر الله ورسوله r على ستة أنواع : ثلاثة منها لغير المسلمين ، وهى : مرتبة الوهم ، ثم مرتبة الشك ، ثم مرتبة الظن . وثلاثة للمسلمين لابد فيها من اليقين ، كشرط لازم من شروط لا إله إلا الله ، وهى : مرتبة علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين .
أولا : مرتبة الوهم  :
    إذا أخبرك أحد لأول مرة أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل يوم ، فإما أن تصدقه ، وإما أن تكذبه .
    فإن كان تكذيب القلب لهذا الخبر أكبر من التصديق ، سمى ذلك عند علماء الأصول ( وهما )
فالوهم : أن يكون عدم ثبات الأمر فى القلب ، أكبر من ثباته ، وتكذيب الخبر فى القلب أكبر من تصديقه .
    قال ابن تيمية رحمه الله : " فأهل الوهم والتخييل هم الذين يقولون أن الأنبياء أخبروا عن الله واليوم الآخر ، والجنة والنار ، بأمور غير مطابقة للأمر فى نفسه .
     لكنهم خاطبوهم بما يتوهمون به أن الله شئ عظيم كبير ، وأن الأبدان تعاد ، وأن لهم نعيما محسوسا ، وعقابا محسوسا .
    وإن كان الأمر ليس كذلك لأن مصلحة الجمهور فى ذلك ، وإن كان كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور، وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم على هذا الأصل ."
ثانيا : مرتبة الشك :
    أما لو تساوت نسبة التكذيب فى القلب مع نسبة التصديق ، سمى ذلك شكا .
    قال رسول الله r :
" إذا شك أحكم فى صلاته فليلغ الشك وليبن على اليقين ؛
                        فإذا استيقن بالتمام فليسجد سجدتين وهو قاعد " (صحيح الجامع )
    وقال عبد الله بن المبارك : " إذا شك فى الحدث ، فإنه لا يجب عليه الوضوء ، حتى يستيقن استيقانا يقدر أن يحلف عليه ".  والشك يحدث الريبة فى القلب ، قال تعالى :
" وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ
              قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ " ( غافر : 34 )
ثالثا : مرتبة الظن :
    هو زيادة التصديق فى القلب على التكذيب ، حتى لو امتلأ القلب بالتصديق ، وبقى فيه من التكذيب شئ يسير ؛ فإنه يسمى ظنا ، ولا يبلغ المرء مع الظن ، حد اليقين اللازم للإيمان .
    وقد عرف الجرجانى الظن بقوله : " هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ".
    وقد ذكر الله حال المشركين والكافرين واعتقادهم فى يوم القيامة فقال :
" وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا
            قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ " ( الجاثية : 32)
    وهؤلاء لما انتقلوا إلى ربهم ، ندموا على ظنهم ، وتمنوا العودة للدنيا ليبلغوا درجة اليقين اللازمة لكلمة ( لا إله إلا الله ) :
" وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا
                            فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ " (السجدة : 12)
رابعا : مرتبة علم اليقين :
    اليقين ينفى : الوهم ، والشك ، والظن .
    فإذا صدقت بقلبك تصديقا جازما كاملا ، لا مجال للتكذيب فيه ؛ فإن ذلك يسمى يقينا ، والمسلم لا يكون مسلما إلا بعلم اليقين ؛ فيصدق بخبر الله ورسوله r تصديقا كاملا ، يمحو التكذيب بدرجاته المختلفة ( الوهم والشك والظن ) من القلب محوا شاملا .
    وهو المسمى فى النصوص القرآنية والنبوية بعلم اليقين كما فى قوله تعالى :
" أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ . حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ . كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ . ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ .
        كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ " ( التكاثر : 1-5)
    فبين الله سبحانه أن الناس سيعلمون سيعلمون ، إما باختبار أو اضطرار ، فعلم اليقين هو العلم الذى يصل به صاحبه إلى حقائق الأمور ، فلا يرتاب فى ثبوتها ،كتيقنه أن الجنة دار المتقين ، وأن النار دار المكذبين ، فهذه الدرجة تسمى علم اليقين .
    وربما يضعف نور اليقين فى قلب المسلم ،وربما يتمكن اليقين فيبصر حقائق الأمور بذلك النور .
خامسا : مرتبة عين اليقين :
    أما الدرجة الثانية فهى درجة عين اليقين ، وهى درجة الرؤية والمشاهدة ، كما قال تعالى :
" ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ "( التكاثر : 7)
     وبين هذه الدرجة والتى قبلها ، فرق ما بين العلم والمشاهدة ، فاليقين للسمع ، وعين اليقين للبصر ، وليس الخبر كالمعاينة .
    لقد سأل الخليل إبراهيم عليه السلام ربه ، أن يريه كيف يحيى الموتى ليحصل له مع مرتبة علم اليقين : عين اليقين ، وحق اليقين .
    وتلك الحالة التى كانت تحدث للصحابة الأخيار ؛ إذا ذكرهم النبى صلى الله عليه وسلم بالجنة والنار ، كما روى حنظلة الأسَيِّدى رضى الله عنه:
    " يارسول الله ، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا  رأى عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا . فقال رسول الله r :
" والذى نفسى بيده ، لو تدومون على ما تكونون عندى وفى الذكر ،
            لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفى طرقكم ، ولكن ياحنظلة ساعة وساعة ". ( مسلم )
    ومعنى " ساعة وساعة " أى : يتقلب فى تلك الأوقات بين منازل اليقين ، فتارة فى علم اليقين: ليتابع حياته فى البيع والشراء ، وابتلاء الله له بالسراء والضراء ، وتارة فى عين اليقين : فى الذكر والصلاة والطاعة والمناجاة .   
    وعلامة اليقين : انشراح الصدر بذكر الله ، وطمأنينة القلب لأمر الله ، والتجافى عن دار الغرور ، والاستعداد للموت وظلمة القبور ، ومن وصل إلى هذا اليقين : استلان ما يستوعره المترفون ، وآنس مما يستوحش منه الجاهلون ".
سادسا : مرتبة حق اليقين :
    وأما الدرجة الثالثة لليقين ، فهى مرتبة حق اليقين ، وهى : مباشرة المعلوم ، وإدراكه الإدراك التام .
     فعلم اليقين كعلمك بوجود العسل ، وعين اليقين رؤيتك له بالبصر ، وحق اليقين إحساسك بمذاقه على اللسان .
    وقد ذكر الله حق اليقين فى سورتى الواقعة والحاقة ، قال تعالى :
" فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ . وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ . وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ .
فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ . تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ .
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ . وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ . فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ . فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ . وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ . فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ " (الواقعة :83-96)
    وليس بعد مرتبة حق اليقين إلا : الخشوع التام ، وتسبيح الموحدين الموقنين .
منهج الصحابة والتابعين فى فهم القرآن والسنة
    حقيقة الإسلام فى القرون الفاضلة قبل قيام الفرق والمذاهب ، كانت ممثلة فى تصديق الصحابة لخبر رسول الله r تصديقا جازما ، ينفى الوهم والشك والظن ، وتنفيذ الأمر تنفيذا كاملا يقوم على الطاعة والإخلاص والحب .
    فتصديق الخبر هو معنى الإيمان ، وتنفيذ الأمر هو معنى الإسلام .
    وكان المسلم فى عصر خير القرون حين يشهد أن لا إله إلا الله ، فإنه يكون عقد فى نفسه عقدا ، أن الله عز وجل هو المعبود الحق ، الذى يصدق فى خبره دون تكذيب ، والذى يطاع فى أمره دون عصيان ، وتلك حقيقة الإيمان التى نزل بها القرآن .
    قال البيهقى رحمه الله : " إن حقيقة الإيمان تكمن فى تصديق الخبر ، وتنفيذ الأمر " .     وكذلك قال الإمامان ابن تيمية ، وابن القيم رحمهما الله .
موقف الصحابة من خبر الله ورسوله
    قال رسول الله r :
" إن الميت يصير إلى القبر ، فيجلس الرجل الصالح فى قبره غير فزع ولا مشعوف ،
ثم يقال له : فيم كنت ؟ فيقول : كنت فى الإسلام .
فيقال له : ما هذا الرجل ؟ فيقول : محمد رسول الله r جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه ،
 فيقال له : هل رأيت الله ؟ فيقول : ما ينبغى لأحد أن يرى الله ،
فيفرج له فرجة قبل النار ، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال له : انظر إلى ما وقاك الله ،
ثم يفرج له قبل الجنة ، فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال له : هذا مقعدك .
ويقال له : على اليقين كنت ، وعليه مُت ، وعليه تبعث إن شاء الله تعالى .

ويجلس الرجل السوء فى قبره فزعا مشعوفا ، فيقال له : فيم كنت ؟ فيقول : لا أدرى .
فيقال له : ماهذا الرجل ؟ فيقول : سمعت الناس يقولون قولا فقلته ،
 فيفرج له قبل الجنة ، فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال له : انظر إلى ماصرف الله عنك .
ثم يفرج له فرجة قبل النار ، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا ، فيقال له : هذا مقعدك ،
على الشك كنت ، وعليه مت،  وعليه تبعث إن شاء الله تعالى ".
( مشكاة المصابيح .الألبانى . 139)
موقف الصحابة فى باب الأمر والطلب
    وكما صدق الصحابة نبيهم r فى كل ما أخبرهم عن الله عز وجل ؛ فإنهم أيضا أطاعوه فى كل ما أمر ، وكانوا يبايعونه على ذلك .  روى مسلم من حديث عبادة بن الصامت t قال:
" بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة، فى العسر واليسر ، والمنشط والمكره ،
 وعلى أثرة علينا ، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله ،
                وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف فى الله لومة لائم "
وعن جرير بن عبد الله قال :
" بايعت النبى r على السمع والطاعة ، فلقننى فقال :
" فيما استطعت ، والنصح لكل مسلم " ( البخارى )

الإيمان فى باب الأخبار له ستة أركان
    كما فى حديث جبريل أنه سأل النبى r: " فأخبرنى عن الإيمان " قال:
" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ". ( مسلم )
    أركان الإيمان كلها أخبار تتطلب التصديق وعلم اليقين ، وبنظرة عميقة نجد أن الترتيب النبوى لأركان الإيمان اشتمل على دور الإنسان فى الحياة ، وارتباطه بتقدير الله ، فالمعنى الموضوع بين أركان الإيمان أن تؤمن بالله الذى أنزل ملائكته ، بكتبه ، على رسله ، ليحذروا العباد من اليوم الآخر .
    فإذا انتهى الناس بعد العرض والحساب ، واستقروا فى ألاخرة للثواب والعقاب ، عندها يكون المصير مطابقا لسابق التقدير الذى دون فى أم الكتاب ، قبل أن يخلق الله السموات والأرض بخمسين ألف سنة . ولا يكون الإيمان بهذه الأركان إلا اليقين الذى لا شك فيه .

الإيمان فى باب الأمر له ثلاثة أركان
    وهى : تصديق بالجنان ، وقول باللسان ، وعمل بالأركان .
    وهى تتعلق بتنفيذ الأمر ، وتحقيق المطلوب ، والسعى فى رضا المحبوب .
    وإذا تم هذا الإيمان بنوعيه المتعلقين بتصديق الخبر وتنفيذ الأمر ، ظهر كمال الدين ، وصدق اليقين ، كما قال ابن مسعود رضى الله عنه : " اليقين الإيمان كله " .

اليقين المنافى للشك شرط من شروط لا إله إلا الله
    يلزم كل من شهد أن لا إله إلا الله أن يكون مستيقنا بمدلولها ، قد أيقن بها فى قلبه يقينا جازما ينفى الوهم والشك والظن ، كما قال تعالى فى وصف المؤمنين :
" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا
                      وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " ( الحجرات : 15)
    فاشترط فى صدق إيمانهم بالله ورسوله r ألا يرتابوا ، أى : لا يشكوا .
   قال ابن جرير فى تفسير قوله " ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا " : " ثم لم يشكوا فى وحدانية الله ، ولا فى نبوة نبيه r وألزم نفسه طاعة الله وطاعة رسوله ، والعمل بما وجب عليه من فرائض الله ، بغير شك منه فى وجوب ذلك عليه " .
    وروى مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله r قال له :
" اذهب بنعلى هاتين ، فمن لقيت من وراء هذا الحائط
       يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة " .
    فمن شهد بشهادة التوحيد عن يقين فى قلبه بأنه على استعداد لتصديق خبر الله ، وتنفيذ أمره ، دخل الجنة .
مامعنى الإيمان فى حديث سفيان
    روى مسلم فى صحيحه من حديث سفيان بن عبد الله الثقفى رضى الله عنه أنه قال :
    " قلت : يا رسول الله ، قل لى فى الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك " . قال :
" قل آمنت بالله ثم استقم " .
    وأصل الاستقامة الاعتدال على الطريق الذى رسمه النبى لصحابه فى خط مستقيم ،ولا يكون الاعتدال إلا بشمولية الإيمان بكل ما ورد عن الله ورسوله من أخبار ، والتسليم لكل ما جاء عنهما من تشريعات وأوامر ؛ فإن التقصير فى جانب سيؤدى إلى المبالغة والانحراف فى جانب آخر .
    وقد ظل أمر السلف فى القرون الفاضلة على نهج الوسطية والاعتدال والشمولية ، يسيرون بفضل الله على درب نبيهم ، يلتزمون بالسنة لايقصؤرون فيها ، ولا يهونون منها ، ويحذرون من البدعة وينبهون على خطورتها .
    وقد ظلت أمور العقيدة على هذا الحال صافية نقية ، حتى برز فكر الجاهلين الذين يقدمون آراءهم وأهواءهم على كل نص قرآنى أو حديث نبوى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق