[المطلب العشرون]
معتقد أهل السنة فى أسماء الله الحسنى عند ابن عثيمين
· أسماء الله تعالى كلها حسنى وكلها عظمى .
· أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف .
· دلالة الأسماء تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام .
· أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها .
· أقوال العلماء فى أن الأسماء الحسنى توقيفية على النص .
· الإلحاد فى أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها .
· أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين .
· معالم منهج ابن عثيمين فى إحصاء الأسماء الحسنى
قواعد في أسماء الله الحسنى
لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فى هذا المطلب بإذن الله نتعرف على منهج القرآن والسنة بفهم سلف الأمة ، فى معرفة الضوابط التى يمكن من خلالها تتبع الأسماء الحسنى وإحصاؤها ، وذلك من خلال الكتاب القيم : " القواعد المثلى فى أسماء الله الحسنى " للعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين .
أسماء الله تعالى كلها حسنى وكلها عظمى
أي : بالغة في الحسن غايته، قال الله تعالى: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " (الأعراف:180) وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا احتمالاً ولا تقديراً.
مثال ذلك: "الحي" اسم من أسماء الله تعالى، متضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال ، الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم، والقدرة، والسمع، والبصر وغيرها.
والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال.
مثال ذلك: "العزيز الحكيم": فيكون كل منهما دالاً على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة في العزيز، والحُكم والحِكمة في الحكيم، والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو : أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فعزته لا تقتضى ظلما وجورا وسوء فعل ، كما قد يكون من أعزاء المخلوقين ؛ فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم، فيظلم ويجور ويسئ التصرف .
وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعز الكامل ، بخلاف حكم المخلوق وحكمته ؛ فإنهما يعتريهما الذل
القاعدة الثانية: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف
أسماء الله تعالى أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد، وهو الله عز وجل . قال تعالى :
" قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " ( الإسراء : 110) .
وبالاعتبار الثاني متباينة لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص فـ "الحي، العليم، القدير، السميع، ". كلها أسماء لمسمى واحد، وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى "الحي" غير معنى "العليم"، ومعنى "العليم" غير معنى "القدير"،.. وهكذا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف، لدلالة القرآن عليه، فالرحيم مثلا هو المتصف بالرحمة ، قال تعالى : " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " (الحجر :49) " وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ " (الكهف : 58) فدلت الآية الثانية على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة .
ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: عليم إلا لمن له علم، ولا سميع إلا لمن له سمع، ولا بصير إلا لمن له بصر.
وبهذا علم أن (الدهر) ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى، ولأنه اسم للوقت والزمن .
فيكون معنى ما ورد فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم : " قال الله : يؤذينى ابن آدم ، يسب الدهر ، وأنا الدهر ، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" :
أن الذين يسبون الدهر ، إنما يريدون الزمان الذى هو محل الحوادث ، لا يريدون الله تعالى ، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار، وهما الدهر، ولا يمكن أن يكون المُقلِّب (بكسر اللام) هو المُقلَّب (بفتحها) .
دلالة الأسماء تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام
مثال ذلك: اسم الله "الخالق" يدل على ذات الله، وعلى صفة الخلق بالمطابقة، ويدل على الذات وحدها وعلى صفة الخلق وحدها بالتضمن ، ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام.
ولهذا لما ذكر الله خلق السموات والأرض قال:
" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا " (الطلاق:12)
أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها
فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة ، فلا يزاد فيها ولا ينقص .
لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء . قال تعالى : " قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ " ( الأعراف : 33)
ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسه ، أو إنكار ما سمى به نفسه جناية فى حقه تعالى ، فوجب سلوك الأدب فى ذلك ، والاقتصار على ما جاء به النص ؛ فلا يجوز أن نشتق لله تعالى من أوصافه وأفعاله ما نشاء من الأسماء ، فدورنا تجاه أسماء الله الحسنى الإحصاء ، ثم الحفظ والدعاء ، وليس الاشتقاق والإنشاء .
أقوال العلماء فى أن الأسماء الحسنى توقيفية على النص
قال فخر الدين الرازى : " مذهبنا أن أسماء الله توقيفية لا قياسية ، فقوله أولا : " اذْكُرُوا اللَّهَ " ( الأحزاب : 41) أمر بالذكر ، وقوله ثانيا : " وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ " (البقرة : 198) أمر لنا بأن نذكره سبحانه بالأسماء والصفات التى بينها لنا " وقال أيضا : " ومما يؤكد هذا أنه يجوز أن يقال : يا جواد ، ولا يجوز أن يقال : يا سخى " .
وقال ابن حزم (ت: 456 ه): " لا يجوز أن يسمى الله تعالى ، ولا أن يخبر عنه إلا بما سمى به نفسه ، أو أخبر به عن نفسه فى كتابه ، أو على لسان رسوله r، أو صح به إجماع جميع أهل الإسلام المتيقن ولا مزيد ، حتى وإن كان المعنى صحيحا ، فلا يجوز أن يطلق عليه اللفظ ، وقد علمنا يقينا أن الله بنى السماء فقال : " وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا "( الذاريات : 47) ولا يجوز أن يسمى ( بنّاء )
واحتج أبو حامد الغزالى (ت: 505 ه) على أن الأسماء توقيفية بالاتفاق على أنه لا يجوز لنا أن نسمى رسول الله r باسم لم يسمّه به أبوه ، ولا سمى به نفسه ، وكذا كل كبير من الخلق . قال : " فإذا امتنع ذلك فى حق المخلوقين ، فامتناعه فى حق الله أولى " .
وخلاصة أقوال أهل العلم أن عقيدة السلف الصالح ، وكذلك أغلب المخالفين لهم من الخلف المتكلمين الأشعرية ، وأئمة الصوفية عقيدتهم جميعا مبنية على أن الأسماء الحسنى توقيفية، لا زيادة فيها ولا نقصان ، وأنه لابد فى كل اسم من دليل نصى صحيح .
الإلحاد فى أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها
الإلحاد فى أسماء الله أنواع :
الأول : أن ينكر شيئا منها ، أو مما دلت عليه من الصفات والأحكام .
الثانى : أن يجعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين .
الثالث : أن يسمى الله تعالى بما لم بسم به نفسه ، كتسمية النصارى له الأب ، وتسمية الفلاسفة له : العلة الفاعلة .
الرابع :أن يشتق من أسمائه أسماء للأصنام ، كما فعل المشركون فى اشتقاق العزى من العزيز، واللات من الإله ، فسموا بها أصنامهم ، وذلك لأن أسمائه تعالى مختصة به .
أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين
أسماء الله تعالى لا تحصى ولا تعد ، وهو سبحانه الذى يعلم عددها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور:
" أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك" ( صحيح الترغيب والترهيب )
وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن لأحدٍ حصره، ولا الإحاطة به.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة " فمعنى الحديث: أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة.
وعلى هذا فيكون قوله: " من أحصاها دخل الجنة" جملة مكملة لما قبلها، وليست مستقلة، ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة، فإنه لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للصدقة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه : " تعيينها ليس من كلام النبي باتفاق أهل المعرفة بحديثه "
وقال قبل ذلك : " إن الوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسراً في بعض طرق حديثه " .
معالم منهج الشيخ ابن عثيمين فى إحصاء الأسماء الحسنى
1- عدم اعتماده للأسماء المشتهرة ؛ لأنها من إدراج الوليد بن مسلم .
2- اعتماده التوقيف فى إحصاء الأسماء .
3- التزامه إحصاء الأسماء الحسنى التى وردت بصيغة الاسم فقط .
4- مراعاته شرط العلمية ، فلابد أن يرد الاسم علما على ذات الله .
5- مراعاته شرط الوصفية ، فلابد من دلالة الاسم على الوصف .
6- مراعاته شرط الإطلاق ، وإن خالفه فى بعض الأسماء ، فقد صرح بتردده فى اسم واحد هو ( الحفى ) لأنه إنما ورد مقيدا .
7- التزامه بان من أسماء الله الأسماء المضافة ، وأنها لابد أن تذكر بالإضافة كما ورد النص .
8- أن الأسماء الحسنى التى اختارها من القرآن واحدا وثمانين اسما ، والأسماء التى اختارها من السنة ثمانية عشر اسما .
إن من أفضل المناهج المتبعة لإحصاء الأسماء الحسنى حتى عصرنا هو منهج الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ، غير أن المدقق فى تطبيق منهجه على الأسماء التى ذكرها ، يجد أنه استبعد أسماء ، كان ينبغى إدخالها على مقتضى منهج التتبع ، كاسم الله الديان ، والمسعر ، والرازق ، والستير ، والمالك .
مع أن اسم الله (الديان) ثبت فى نص صحيح ، وكذلك اسم الله (المسعر) و(الرازق) وردا مع (القابض) و(الباسط )فى أكثر من حديث صحيح ، فأدخل الشيخ اسمين اثنين ، واستبعد اثنين .
وكذلك اسم الله (الستير) ورد مع اسمه (الحيي) فى نص واحد ، فأدخل أحدهما واستبعد الآخر.
واسم الله (المالك) ورد مطلقا فى السنة ، ولم يدخله الشيخ وأدخل اسم (العالم) و(الحافظ) و(المحيط) و(الحفى) مع أنها وردت مضافة أو مقيدة .
كما أن إدخال هذه الأسماء المضافة أو المقيدة يؤدى إلى ضرورة إدخال جميع الأسماء التى تركها الشيخ كالبديع ،والفاطر ، والنور ، والغافر وغير ذلك من الأسماء المضافة أو المقيدة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق