مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

الإيمان قول ، وعمل ..

يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ..

يزيد بالتفكر ، وينقص بالغفلة ..

يزيد بالتصديق والامتثال ، وينقص بالشك والإعراض ..

هيا نؤمن ساعة .. مدونة تزيدك إيمانا ..

بعلم نافع تتعلمه .. بعبرة تعتبر بها .. بسنة تمتثلها .. بآية تتدبرها .. بشبهة تمحوها ..

صفحاتها : روضة من رياض الجنة

تأنس فيها بذكر الله .. وترضى فيها بشرعه .. وتتدبر أمره ونهيه ..

اغتنم خيرها بالعمل بما فيها ، والدعوة إليه .

كان من دعاء ابن مسعود رضى الله عنه :

" اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها " .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


الجمعة، 20 مايو 2011

المطلب الخامس والعشرون : الإيمان بالأسماء التوقيفية


[ المطلب الخامس والعشرون]
الإيمان بالأسماء التوقيفية ضرورة حتمية وليس مسألة خلافية

·      تناقض من ادعى جواز اشتقاق الأسماء بشرط الكمال .

·        القول فى مسألة الاسم والمسمى وتوجيه كلام السلف .

·        جلال أسماء الله الحسنى مبنى على الكمال والجمال .

·        اسم الله الأعظم ودلالته على الصفات .

·        الروايات النقلية الثابتة فى اسم الله الأعظم .

·        اسم الجلالة هو اسم الله الأعظم عند جمهور العلماء .

·        اسم الله الأعظم الرحمن الرحيم وكمالهما المخصوص .

·        اسم الله الأعظم الحى القيوم وكمالهما المخصوص .

·        اسم الله الأعظم الأحد الصمد وكمالهما المخصوص .

 


الإيمان بالأسماء التوقيفية ضرورة حتمية وليس مسألة خلافية

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
    فى هذا المطلب بإذن الله نتناول قضية الإيمان بالأسماء التوقيفية ، وأنها ضرورة حتمية، وليست مسألة خلافية ، وما وجه الرد على من يزعم أن اشتقاق الأسماء من الصفات والأفعال بشرط الكمال دون ورود النص التوقيفى هو المذهب الحق ، وذلك من خلال المحاور التالية : 

تناقض من ادعى جواز اشتقاق الأسماء بشرط الكمال

    حاول بعضهم بكل سبيل أن يصحح الأسماء المشتهرة التى لم يرد بها نص توقيفى ، فسلك مسلك المعتزلة فى العبث والابتداع العقلى ، وزعم فى تعريفه لأسماء الله الحسنى أنه لا يشترط فيه النص التوقيفى ، وادعى أن أسماء الله الحسنى هى كل ما أذن به الشرع قرآنا وسنة ، اسما أو وصفا أو اشتقاقا ، وكل ما جاز أن ينسب إلى الله تعالى عقلا فى إطار الكمال والجلال . 

    ومنهم من زعم أنه لابد فى اشتقاق الأسماء أن يرد الوصف أو الفعل فى القرآن والسنة ، وبشرط دلالته على الكمال ، وألا يوهم نقصا فى حق الله تعالى . 

    وهؤلاء يلقون بعقولهم أحكاما جزافا ، ويضعون قواعد لا تميز اسما ، ولا وصفا ، ولا موصوفا، وتدل على بطلان منهجهم فى تمييز أسماء الله الحسنى ، بل يميعون قواعد الاعتقاد التى يقوم عليها المنهج السلفى.

فعامة الناس إذا طالبوهم باستخراج الأسماء التى لم يرد بها توقيف نصى ، والتى أجازوا لهم اشتقاقها من الأفعال الواردة فى الدليل النقلى ، فإن هؤلاء أنفسهم يعجزون عن استخراجها وتمييزها بالنظر العقلى ، ويظهر للعيان أنهم ما وضعوا تلك القواعد إلا لتبرير الأسماء المشتهرة التى  لا دليل عليها فى أى نص توقيفى . 

    والسؤال الموجه لهؤلاء : ماهى الأسماء التى تدل على الكمال اشتقاقا من أفعال الله فى القرآن الكريم ؟ ومنها على سبيل المثال : الآخذ من قوله : " فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ " ( آل عمران : 11) 

الآمر من قوله: " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ " ( النحل:90) 

الباثث من قوله: "وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ " (البقرة :164) 

الرابط من قوله : "وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ " (الكهف : 14) 

القول فى مسألة الاسم والمسمى وتوجيه كلام السلف 

    نظرا لاختلاف المنهج والنية بين نظرة المعتزلة والمتكلمين من جهة ، وأتباع السلف الصالح من جهة أخرى ؛ فإن هذه المسألة لابد فيها من التفصيل ، ومراعاة قصد القائل ومراده بالدليل ، فربما ينسب لعالم سلفى أن الاسم هو المسمى ، ولا يقصد ما يقصده المعتزلى . 

    والقضية أيضا صحيحة عند انعكاسها ، فالسلفى إذا ثبت عنه أنه قال بأن الاسم هو المسمى، فإنه يعنى أن أسماء الله عز وجل وأوصافه ، أزلية أبدية ملازمة للذات الإلهية ، وليست محدثة بعد أن لم تكن ، كما ادعى المخالفون . ومن قال من السلف ذلك فى بعض المواطن كأحمد بن حنبل وغيره ، إنما قاله على اعتبار أن القرآن غير مخلوق ، وأنه كلام الله حكمه حكم الذات فى الأولية والأبدية . 

    والمعتزلى إذا قال بأن الاسم هو المسمى ؛ فإنه يعنى أن الأسماء هى عين الذات ، وأنها مجردة من الصفات ، فلا يقوم بها علم ولا سمع ولا بصر ولا وصف ، كقوله : عليم بذاته ، سميع بذاته ، لا بعلم ، ولا سمع ولا صفات أزلية ؛ فإنه ينفى الصفات ، ويدعى إثبات الأسماء كعلم على الذات فقط ، وأن الصفات ذوات أخرى منفصلة عن الذات ، وأن إثباتها يعد مشاركة للذات فى القدم الذى هو أخص وصف الله عنده ، وهذا فى اعتقاده شرك وهدم للتوحيد . 

    ومن قال من أهل العلم كابن حزم الأندلسى وابن حجر العسقلانى ، أن الاسم غير المسمى يقصد أنه يفهم من اللفظ غير ما يفهم من مدلوله ، ففرق كبير بين اسم زيد المكتوب فى الورقة، وبين ذاته أو شخصيته المتحركة ، فذاته هى الحقيقة التى يدل عليها الاسم ، وهم يعلمون قطعا أن الاسم دال على المسمى .

    ومن قال من الجهمية والمعتزلة : الاسم غير المسمى ، فإنه يعنى أن أسماء الله مخلوقة كما أن القرآن مخلوق ، وليست الأسماء عنده أزلية بأزلية الذات ، وأن الله كان ، ولا وجود لهذه الأسماء، ثم خلقها ، ثم تسمى بها ، ولذلك اشتد إنكار أئمة السنة كأحمد بن حنبل وغيره على الذين يقولون بأن أسماء الله مخلوقة ، وأن الاسم غير المسمى ، وأن أسماء الله غيره ، وما كان غيره فهو مخلوق .

    والقول الذى عليه جمهور أهل العلم ، من المتبعين لنهج السلف الصالح ، هو القول الذى فهم به الصحابة قوله الله تعالى : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " ( الأعراف :180) فالاسم للمسمى ، والأسماء الحسنى أسماء الله دالة عليه ، وهى فى حقه أعلام وأوصاف . والناس مفطورون على أن الأسماء وضعت للدلالة على مسمياتها ، وأنه إذا ذكر الاسم انصرف الذهن فى المقام الأول إلى العلمية التى تميز صاحبه ، ثم يُنظر بعد ذلك إلى الوصفية .

    وقد أمر الله المؤمنين بذكره بأسمائه  ؛ لأن أسماءه دليل عليه :" فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ "(النور:36) ، كما أمر بتسبيح اسمه ، وتسبيح اسمه تسبيح له ؛ إذ المقصود بالاسم دلالته على المسمى ، كما أن دعاءه هو دلالة على دعاء المسمى . ومن ثم فإن الذى يذكر الاسم يريد مسماه ، وقد أجمع أهل العلم على أن من حلف باسم من أسماء الله فحنث عليه الكفارة ، ولا خلاف بينهم فى ذلك . 

جلال أسماء الله الحسنى مبنى على الكمال والجمال 

    قال تعالى : " تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ "( الرحمن : 78) 

قال ابن تيمية : " هو فى مصحف أهل الشام تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام ، وهى قراءة ابن عامر، فالاسم نفسه موصوف بالجلال والإكرام . وفى سائر المصاحف وقراءة الجمهور ذى الجلال ، فيكون المسمى نفسه موصوفا بالجلال والإكرام

    والجلال فى الأسماء والصفات الأفعال له ركنان :
أولهما الكمال : وهو بلوغ الوصف أعلاه .
ثانيهما الجمال : وهو بلوغ الحسن منتهاه .

    قال ابن القيم رحمه الله : " والله سبحانه تعرف إلى عباده من اسمائه وصفاته وأفعاله بما يوجب محبتهم له ؛ فإن القلوب مفطورة على محبة الكمال ، ومن قام به ، والله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق من كل وجه ، الذى لا نقص فيه بوجه ما , وهو سبحانه الجميل الذى لا أجمل منه، بل لو كان جمال الخلق كلهم على رجل واحد منهم ، وكانوا جميعهم بذلك الجمال ، لما كان لجمالهم قط نسبة إلى جمال الله ". 

    ويذكر ابن القيم أنك إذا أضفت إلى كماله وجماله ما كان من إحسانه فى ملكه ، وإنعامه على خلقه ؛ فإنه لايتخلف عن حبه إلا الجاحدون ، وأصل عبادته : محبته على آلائه ونعمه ، وعلى كماله وجماله ، وهذه فطرة الله التى فطر الناس عليها .

    ومن حكمة الله فى خلقه : أنه إن أعطى أحدا من عباده كمالا ، ابتلاه فى الجمال ، وإن أعطاه جمالا ، ابتلاه فى الكمال ، وإن أعطاه كمالا وجمالا ، ابتلاه فى دوام الحال ؛ ليعلموا أن المتصف بالكمال والجمال أزلا وأبدا ، هو رب العزة والجلال .

اسم الله الأعظم ودلالته على الصفات  

    زعم كثيرون أن الاسم الأعظم سر مكنون وغيب مصون ، وأن خاصة الأولياء العارفين يعلمونه بالتلقى عن مشايخهم  ، وأن هذا الاسم من علمه ودعا الله به ، فلابد أن يستجاب له ، بغض النظر عن كونه كافرا أو مؤمنا ، وجعلوا لذلك الاسم هالة من التقديس والرهبة فى قلوب العامة ، خوفا من الدعاء عليهم بالاسم الأعظم الذى انفردوا بمعرفته ، وهذا كله كلام باطل لم يقم عليه دليل نقلى صحيح . 

    وإنما أسماء الله كلها حسنى ، وكلها عظمى ، لأنها دالة على أحسن وأعظم مسمى وهو الله عز وجل ، ولأنها متضمن لكمال الصفات ، فاسمه (الحى) متضمن لكمال الحياة التى لم تسبق بعدم ، ولا يلحقها زوال ، وأسماء الله كلها حسنى وعظمى ، باعتبار ما يناسبها من أحوال العباد وإظهار كمال عبوديتهم ، وباعتبار إظهار معانى الكمال فى أفعال الخالق عز وجل .

    فاسم الله الأعظم الذى يناسب العباد الدعاء به حال فقرهم : (الجواد المعطى المحسن) ، واسمه الأعظم الذى يناسبهم حال ضعفهم : (القادر القدير المقتدر المهيمن القوى) ، وفى حال الجهل والبحث عن أسباب العلم والفهم يناسبهم الدعاء باسمه : (العليم الحكيم الخبير) . 

    وهكذا كل اسم من أسماء الله الحسنى هو الأعظم فى موضعه ، وعلى حسب حال العبد وما ينفعه .

الروايات النقلية الثابتة فى اسم الله الأعظم  

    العظمة فى أسماء الله عز وجل تكون باعتبار كل اسم على انفراده ، أو باعتبار جمعه إلى غيره ، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال ، والأعلى فى الكمال هو الأعظم على هذا الاعتبار ، ومن هنا تحمل الروايات التى ثبتت عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذكر الاسم الأعظم .

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسم الله الأعظم فى هاتين الآيتين : "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ " (البقرة : 163) وفاتحة سورة آل عمران " . ( حسنه الألبانى )
    
 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب ، فى سور ثلاث : البقرة ، وآل عمران ، وطه ". ( حسنه الألبانى ) 
قال القاسم : فالتمستها إنه : الحى القيوم : " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " ( البقرة :255) " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ "( آل عمران : 2) " وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ" (طه :11)
   
وعن بريدة الأسلمى رضى الله عنه قال : سمع النبى صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول : 
" اللهم إنى اسألك بأنى أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " . 
فقال النبى صلى الله عليه وسلم : " والذى نفسى بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذى إذا دعى به أجاب ، وإذا سئـل به أعطى" . ( صححه الألبانى )
     
وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ، ورجل يصلى ثم دعا : "اللهم إنى أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض ياذا الجلال والإكرام يا حى يا قيوم " .
فقال النبى صلى الله عليه وسلم " لقد دعا الله باسمه العظيم الذى إذا دعى به أجاب ، وإذا سئل به أعطى " . ( صححه الألبانى )

اسم الجلالة هو اسم الله الأعظم عند جمهور العلماء  

    أما بيان اعتبارات العظمة فى الأسماء التى استند فيها العلماء إلى الروايات السابقة ، فيمكن القول : إن الاسم الأعظم هو اسم الجلالة (الله) وجمهور أهل العلم على ذلك ، وهذا القول صحيح من عدة أوجه ، منها :
·        أنه ورد ذكره فى الأحاديث السابقة .

·        أنه يدل على جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى بالدلالات الثلاثة : المطابقة والتضمن واللزوم . فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له ، مع نفى أضدادها عنه ، ومستلزم لجميع معانى الأسماء الحسنى دال عليها بالإجمال ، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التى اشتق منها اسم الله .

·        هذا الاسم هو الاسم الجامع ، ولهذا تضاف الأسماء الحسنى كلها إليه . قال تعالى : "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " (الأعراف : 180) وقال النبى r " إن لله تسعة وتسعين اسما " فاسم الجلالة يكمل المائة ، والتسعة وتسعون المطلقة أو المقيدة مضافة إليه . فيقال: (الرحمن الرحيم) من أسماء (الله) ، ولا يقال : (الله) من أسماء (الرحمن) .

·        اسم الله دال على كونه مألوها معبودا تألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا وفزعا إليه فى الحوائج والنوائب ، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته .

اسم الله الأعظم الرحمن الرحيم وكمالهما المخصوص  

    وهو صحيح باعتبار علوهما عن غيرهما فى الدلالة على معانى الكمال والحكمة ، فالرحمن هو من اتصف بالرحمة العامة الشاملة ، والرحيم هو الراحم لعباده . 

قال ابن القيم : " وأما الرحمة فهى التعلق والسبب الذى بين الله وبين عباده ... بها أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وبها هداههم ، وبها أسكنهم دار ثوابه ، وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم ، فبينهم وبينه سبب العبودية ، وبينه وبينهم سبب الرحمة ". 

قال تعالى : " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " (طه:5) فاستوى على عرشه باسمه الرحمن ؛ لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها ، والرحمة محيطة بالخلق وسعتهم على اختلاف أنواعهم ؛ فاستوى على أعظم المخلوقات بأعظم الصفات . 

واقتران ربوبيته برحمته ، كاقتران استوائه على عرشه برحمته ، فقوله : " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " (طه:5) مطابق لقوله : " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " (الفاتحة :2 ،3) فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لايخرج شئ عنها ، أقصى شمول الرحمة وسعتها ، فوسع كل شئ برحمته وربوبيته .

اسم الله الأعظم الحى القيوم وكمالهما المخصوص

    وهو صحيح باعتبار عدة أوجه دلت على كمال مخصوص فوق جميع الأسماء ، فجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى تدل باللزوم على أن الله (حى قيوم) ، فلا يمكن أن يكون (سميعا بصيرا عليما قديرا ملكا عزيزا) إلا إذا كان حيا ، وهكذا سائر أسمائه تعالى تدل على صفة الحياة التى تضمنها اسم (الحى) ، كما أن ملكية الشئ لا تكون إلا بسبب اختراع الشئ وإيجاده ، أو دوام الحياة وكمالها ، ورب العزة هو الذى انفرد بإنشاء الخلق ، وله ميراث السموات والأرض .

    أما اسمه (القيوم) فيعنى : الذى قام بذاته فلا يحتاج إلى غيره ، وأقام غيره لافتقاره إليه ، والله عز وجل هو القائم بنفسه الذى يبقى بجلاله وكماله على الدوام دون تأثر أو تغيير ؛ لأن الحى من البشر قد يكون موصوفا بالسمع ، لكن سمعه قد يتأثر بمرور الوقت ، فيفتقر إلى وسيلة للسماع ، والحى قد يكون متصفا بالصفات ، لكنه يتأثر بالسنة والغفلة والنوم ، ولو كان قائما دائما لكملت حياته وبقيت صفاته .

اسم الله الأعظم الأحد الصمد وكمالهما المخصوص  

    وهو صحيح على اعتبار أن اجتماع (الأحدية والصمدية) معا يدلان على كمال الوصف المخصوص ، الذى يلازم جميع الأسماء والصفات ، فالأحد دل على أنه سبحانه المنفرد بأسمائه وأوصافه وأفعاله عن كل ما سواه ، فـ (الأحدية) هى : الانفراد ونفى الشريك والشبيه والمثلية ، كما أن (الصمدية) تعنى : السيادة المطلقة فى كل وصف على حدة ، وهو الذى يصمد إليه الناس فى حوائجهم وأمورهم ، فالأمور أصمدت إليه ، وقيامها وبقاؤها عليه ، لا يقضى فيها غيره ، وكل ما سوى الله مفتقر إليه من كل وجه ، فليس أحد يصمد إليه كل شئ ، ولا يصمد هو إلى شئ إلا الله تبارك وتعالى .

    فحقيقة (الصمدية) وكمالها له وحده ، لا يمكن انعدامها بوجه من الوجوه ، كما لا يمكن تثنية أحديته أيضا بوجه من الوجوه ، فهو (أحد) لا يماثله شئ من الأشياء . وقد استعملت (الأحدية) هنا فى النفى ، أى ليس شئ من الأشياء كفوا له فى شئ من الأشياء . كما أن اسم (الأحد الصمد) دل على أن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فإن الصمد هو الذى لا جوف له ، فلا يدخل فيه شئ ، ولا يخرج منه شئ ، فيمتنع فى حقه تعالى أن يكون والدا وأن يكون مولودا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق