[ المطلب التاسع والعشرون والثلاثون]
شرح الأسماء الحسنى التوقيفية
1- الرحمن
قال تعالى : " قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى " (الإسراء:110)
الرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة ، حيث خلق عباده ورزقهم، وهداهم سبلهم، وأمهلهم فيما خولهم، استخلفهم في أرضه ، واستأمنهم فى ملكه ؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملا، ومن ثم فإن رحمة الله U في الدنيا وسعتهم جميعا ، فشملت المؤمنين والكافرين، والرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل، وتبعث على صالح العمل، وتدفع أبواب الخوف واليأس، وتشعر الشخص بالأمان.
روى البخاري من حديث أبي هريرة t أنه سمع رسول الله r يقول: " جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ "
2- الرحيم
قال تعالى : " تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم " (فصلت :2)
الرحيم هو المتصف بالرحمة الخاصة التى ينالها المؤمنون في الدنيا والآخرة ، فقد هداهم إلى توحيده وعبوديته، وهو الذي أكرمهم في الآخرة بجنته، ومنَّ عليهم في النعيم برؤيته ، ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين فقط ، بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم إكراما لهم .
3- الملك
قال تعالى : " فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ِ" (المؤمنون :116)
وعند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ t أن رَسُولِ اللهِ r قال: " يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُل لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ الليْلِ الأَوَّلُ فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِكُ، مَنْ ذَا الذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ ".
فالملك سبحانه من له الملك ، وبيده الملك المطلق التام الذى لا يشاركه فيه أحد ، وهو الذي له الأمر والنهي في مملكته، وهو الذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله، وليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه وتدبير أمره ؛ فهو الملك الحق القائم بسياسة خلقه إلى غايتهم .
4- القدوس
قال تعالى : " هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ " (الحشر : 23)
والتقديس هو خلاصة التوحيد الحق ؛ لأنه إفراد الله سبحانه بذاته وأصافه وأفعاله عن الأقيسة التمثيلية ، والقواعد الشمولية ، والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وأوصافهم وأفعالهم .
فالله عز وجل نزه نفسه عن كل نقص ، فقال: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " (الشورى : 11) ، ثم أثبت الله لنفسه أوصاف الكمال والجمال؛ فقال سبحانه " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (الشورى : 11) فلا يكون التقديس تقديسا ، ولا التنزيه تنزيها إلا بنفي وإثبات .
5- السلام
قال تعالى : " هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ " (الحشر : 23)
وفي صحيح الجامع من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: " إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم "
والسلام عز وجل هو الذى سلم من النقائص والعيوب، فسَلَم في ذاته بنوره وجلاله، فمن جماله وسبحات وجهه ، احتجب عن خلقه رحمة بهم ، وابتلاء لهم .
وهو الذي سَلَم في صفاته بكمالها وعلو شأنها، وسلم أيضا في أفعاله بإطلاق قدرته وإنفاذ مشيئته، وكمال عدله وبالغ حكمته.
وهو سبحانه الذي يدعو إلى سبل السلام ، ودار السلام ، باتباع منهج الإسلام ، فكل سلامة منشأها منه ، وتمامها عليه ، ونسبتها إليه .
6- المؤمن
قال تعالى : " هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ " (الحشر : 23)
المؤمن سبحانه هو الذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحدا من خلقه، وأمَّن من آمن به من عذابه، وهو المجير الذي يجير المظلوم ، ويؤمنه من الظالم ، وهو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه ، وهو الذى يصدق فى وعده ، وهو عند ظن عبده ، لا يخيب أمله ، ولا يخذل رجاءه .
7- المهيمن
قال تعالى : " هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ " (الحشر : 23)
المهيمن سبحانه هو الرقيب المحيط بخلقه الذى لايخرج عن قدرته مقدور، ولا ينفك عن حكمه مفطور ، ملك على عرشه ، لا يخفى عليه شيء في مملكته، يعلم جميع أحوالهم ، ولا يعزب عنه شيء من أعمالهم هو القاهر فوقهم بعلو شأنه ، مهيمن على الخلائق أجمعين ، كل شئ إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير .
8- العزيز
قال تعالى : " وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ " (الشعراء :122)
العزيز سبحانه هو الغالب على أمره ، له علو الشأن والقهر فى ملكه ، وهو الملك على عرشه، المتوحد فى اسمه ووصفه ، المنفرد بأوصاف الكمال ، عزيز لا مثيل له ، واحد أحد لا شبيه له ، فالعز إزاره ، والكبرياء رداؤه .
9- الجبار
قال تعالى : " هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ " (الحشر : 23)
الجبار سبحانه هو الذى يجبر الفقر بالغنى ، والمرض بالصحة ، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل ، والخوف بالأمن ،فهو جبار ؛ متصف بكثرة جبره لحوائج الخلائق .
وهو الجبار فى علوه على خلقه ، ونفاذ مشيئته فى ملكه ، فلا غالب لأمره ، ولا معقب لحكمه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
وهو فى حق الله وصف محمود من معان الكمال والجمال ، وفى حق العباد وصف مذموم من أوصاف النقص .
10- المتكبر
قال تعالى : " هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ " (الحشر : 23)
المتكبر سبحانه ذو الكبرياء ، وهو الملك العظيم المتعالى القاهر لعتاة خلقه ، إذا نازعوه العصمة قصمهم . والمتكبر أيضا هو الذى تكبر عن كل سوء ، وتكبر عن ظلم عباده ، وتكبر عن قبول الشرك فى العبادة ، فلا يقبل منها إلا ما كان خالصا لوجهه .
11- الخالق
قال تعالى : " هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ " (الحشر : 24)
الخالق سبحانه هو الذى أوجد الأشياء من العدم ، فأنشأها بعلمه ، وكتبها فى اللوح بقلمه ، وشاء كونها بأمره ، فتم وجودها بقضائه وقدره ، فالله خالق كل شئ تقديرا وقدرة ، قدرها بعلمه تقديرا ، ورتبها بمشئته ترتيبا ، وركبها بقدرته تركيبا .
12- البارئ
قال تعالى : " هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ " (الحشر : 24)
البارئ سبحانه هو السالم الخالى من النقائص والعيوب ، الذى له الكمال المطلق فى ذاته وصفاته وأفعاله ، تنزه عن كل نقص وعيب ، لاشبيه له ولا مثيل ، ولا ند ولا نظير .
والبارئ سبحانه هو الذى وهب الحياة للأحياء ، وخلق الأشياء صالحة للغاية التى أرادها ، وصورها بما يناسب الغاية من خلقها ، وهو الذى أبرأ الخلق ، وفصل كل جنس عن الآخر .
13- المصور
قال تعالى : " هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ " (الحشر : 24)
المصور سبحانه هو الذى أبدع صور المخلوقات ، وزينها بحكمته ، ومعطى كل مخلوق صورته على ما اقتضت مشيئته وحكمته ، وهو الذى صور الناس فى الأرحام ونوعهم أشكالا ، وهو الذى صور المخلوقات بأنواع الصور الجلية والخفية والحسية والعقلية ، فلا يتماثل جنسان، ولا يتساوى فردان ، فلكل صورته ، وما يميزه عن غيره .
14- الأول
قال تعالى : " هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ " (الحديد :3)
وقال النبى r " اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ " ( مسلم)
الأول سبحانه هو المتصف بالأولية ، ووصف الأولية وصف ذاتى ، يدل على مطلق القبلية ، وليس ذلك لأحد سواه ، فأولية الله تعالى تقدمه على كل من سواه فى الزمان ، وتقدمه على غيره فى كل وصف كمال ، فهو الذى لم يسبقه فى الوجود شئ ، وهو الذى علا بذاته وشأنه فوق كل شئ ، وهو المستغنى بنفسه عن كل شئ .
15- الآخر
قال النبى r " و أنت الآخر فليس بعدك شئ " ( مسلم)
الآخر سبحانه هو المتصف بالبقاء والآخرية ، فهو الآخر الذى ليس بعده شئ ، الباقى بعد فناء الخلق ، ذاته باقية ، وصفاته كوجهه وعزته وعلوه وحكمته ورحمته باقية ببقائه ، ملازمة لذاته ، حيث البقاء صفة ذاتية له عز وجل ، وما سواه يبقى بإبقائه ، كالجنة والنار ، فالجنة مخلوقة بقدرته ، ومشيئته حاكمة على ما يبقى فيها وما لا يبقى ، فالبقاء ليس من طبيعتها ، ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها الفناء ، والخلود إنما هو بمدد دائم الله تعالى لا ينقطع. والآخر سبحانه هو الذى تنتهى إليه أمور الخلائق كلها إيجادا وإمدادا ، وقضاء وتقديرا .
16- الظاهر
قال النبى r : " و أنت الظاهر فليس فوقك شئ " ( مسلم )
الظاهر سبحانه هو المنفرد بعلو الذات والفوقية ، وعلو الغلبة والقهر ، وعلو الشأن ، وانتفاء الشبه والمثلية ، فهو الظاهر فى كل معانى الكمال ، وهو الذى ظهر فوق كل شئ ، وهو الذى أظهر فى خلقه حججه الباهرة ، وبراهينه الظاهرة .
والظاهر أيضا هو الذى بدا بنور بحكمته مع احتجابه بعالم الغيب ، وظهرت آثاره لمخلوقاته فى عالم الشهادة ، وهو أيضا الظاهر الذى أعان الخلائق بالمعنى العام ، ونصر الموحدين بالمعنى الخاص .
17- الباطن
قال النبى r : " و أنت الباطن فليس دونك شئ " ( مسلم)
الباطن سبحانه هو المحتجب عن أبصار الخلق ، الذى لا يرى فى الدنيا ، احتجب بذاته عن أبصار الناظرين لجلاله وعظمته وعزته ؛ ولحكمة أرادها ، فالله لا يرى فى الدنيا ابتلاء ، ويرى فى الآخرة جزاء ، ولو رأيناه فى الدنيا لتعطلت حكمة الله فى تدبيره الأشياء .
والله عز وجل مع أنه الباطن الذى احتجب عن أبصار الناظرين ؛ إلا أن حقيقة وجوده نور يضئ بصائر المؤمنين ، فهو القريب المجيب ، والله تعالى احتجب عن أبصار خلقه لحكمة الابتلاء .
18- السميع
قال تعالى : " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (الشورى :11) السميع سبحانه هو المتصف بالسمع كوصف ذاتى حقيقى نؤمن به على ظاهر الخبر فى حق الله ، والمتصف بالإسماع لغيره كوصف فعل يتعلق بمشيئته . " إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ " (فاطر:22) وقد يكون وصف الفعل على معنى إجابة الدعاء ، كما صح عن النبى r مرفوعا : " وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد "
19- البصير
قال تعالى : " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " (الشورى :11)
البصير سبحانه هو المتصف بالبصر ، والبصر صفة من صفات الله تليق بجلاله ، يجب إثباتها لله دون تمثيل او تكييف ، فهو الذى يرى عالم الغيب والشهادة ، ويرى الأشياء كلها مهما خفيت أو ظهرت . هو سبحانه وتعالى مطلع على خلقه يعلم خائنة الأعين ، وما تخفى الصدور ، لايخفى عليه شئ من أفعال العباد ، يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء ، ويرى مجارى القوت فى أعضائها . ينظر للمؤمنين برحمته ولاينظر للكافرين عقوبة لهم
20- المولى
قال تعالى : " فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ " (الحج :78)
المولى سبحانه هو من يركن إليه الموحدون ، ويعتمد عليه المؤمنون فى السراء والضراء . والله جعل ولايته للموحدين مشروطة بالاستجابة لأمره ، والعمل فى طاعته وقربه ، والسعى إلى مرضاته وحبه فقد صح فى الحديث القدسى : " إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ "
21- النصير
قال تعالى : " " فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ " (الحج :78)
النصير سبحانه هو الذى ينصر رسله وأولياءه ، على أعدائهم فى الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . وهو الذى ينصر المستضعفين ، ويرفع الظلم عن المظلومين ، وهو حسب من توكل عليه ، وكاف من التجأ إليه ، ولا غالب لمن نصره ، ولا ناصر لمن خذله ، فمن تولاه وتولى شرعه ، واستنصر به، صانه وحرسه ، ومن خافه واتقاه ، آمنه مما يخاف ويحذر .
22- العفو
قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ " (الحج :60)
العفو سبحانه هو الذى يحب العفو والستر ، ويصفح عن الذنوب ، ويستر العيوب ، يعفو عن المسئ كرما وإحسانا ، ويفتح واسع رحمته فضلا وإنعاما ، حتى يزول اليأس عن القلوب .
23- القدير
قال تعالى : " وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ " (الروم:54)
القدير سبحانه هو الذى يتولى تنفيذ المقادير ويخلقها على ما جاء فى سابق التقدير ، فمراتب القدر أربع مراتب : العلم والكتابة والمشيئة والقدرة التى بها يخلق الأشياء ، فالمرتبة الأولى تناسب اسمه القادر ، والرابعة تناسب اسمه القدير ، فالقادر سبحانه هو الذى قدر المقادير فى علمه ، أو هو الذى قدر كل شئ قبل صنعه وتكوينه ، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده . أما القدير فيدل على القدرة ، وتنفيذ المقدر فى المرتبة الرابعة ، فالقدير يخلق وفق سابق التقدير، والقدر من التقدير والقدرة معا ، فبدايته فى التقدير ، ونهايته فى القدرة وحصول المقدر . كما قال تعالى :" وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا " ( الأحزاب :38)
24- اللطيف
قال تعالى : " وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " (الملك :14)
اللطيف سبحانه هو الذى اجتمع له العلم بدقائق المصالح ، وإيصالها إلى من قدرها له من خلقه ، مع الرفق فى الفعل والتنفيذ . والله سبحانه لطيف بعباده ، رفيق بالمؤمنين ، يدعو المخالفين إلى الغفران ، مهما بلغ بهم العصيان . وهو لطيف بعباده يعلم دقائق أحوالهم ، ولايخفى عليه شئ مما فى صدورهم .
واللطيف أيضا الذى ييسر للعباد أمورهم ، فهو المحسن إليهم فى خفاء من حيث لا يعلمون ، ويرزقهم من حيث لايشعرون .
25- الخبير
قال تعالى : " وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " (الملك :14)
الخبير سبحانه هو العالم بما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ، وليس ذلك إلا لله ، فهو الذى لايخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء ، ولا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا بعلمه .
26- الوتر
قال رسول الله r : " لِلهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلاَّ وَاحِدًا، لاَ يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهْوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ " ( البخارى )
الوتر سبحانه هو الواحد الذى لا يتشفع بشريك ، ذاته وصفاته وترية ، وهو العزيز بلا ذل ، والقوى بلا ضعف ، والعليم بلا جهل ، والحى الذى لا يموت ، والقيوم الذى لا ينام . انفرد عن خلقه فجعلهم شفعا ، لا تعتدل المخلوقات ولا تستقر إلا بالزوجية ، ولا تهنأ على الفردية والأحدية، فالرجل لايهنأ إلا بزوجته ، ولا يشعر بالسعادة إلا مع أسرته ، ولا يمكن أن تستمر الحياة على غير الزوجية ، حتى فى تكوين أدق المواد الطبيعية ، كلها بنيت على الزوجية ، حتى الذرة تتزواج مع أخواتها سالبة كانت أو موجبة .
27- الجميل
قال رسول الله r: " إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ " ( مسلم )
الجميل سبحانه هو المتصف بالجمال المطلق فى الذات والأسماء والصفات والأفعال .
وصح عن النبى r أنه قال : " حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ " ( مسلم )
فأما جمال الذات ، وكيفية ما هو عليه ، فأمر لايدركه سواه ، وأما جمال صفاته فكلها صفات كمال ، وأفعاله كلها حكمة ورحمة ، وأما جمال أسمائه فتبارك ربنا فى أسمائه الحسنى .
28- الحيى
قال رسول الله r: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ " ( أبو داود)
حياء الرب سبحانه لا تدركه الأفهام ، ولا تكيفه العقول ، فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال ، ويدعو عباده إلى الحياء منه ؛ لأنه ليس لهم ملجأ سواه ، هو الذى تكفل بعباده وضمن أرزاقهم، وهو الذى يوفقهم إلى الطاعة والإيمان ، ويعصمهم من الهوى والشيطان .
29- الستير
الستير سبحانه هو الذى يحب الستر ، ويبغض القبائح ، ويأمر بستر العيوب ، ويبغض الفضائح ، وإذا ستر الله عبدا فى الدنيا ستره يوم القيامة .
30- الكبير
قال تعالى : " عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ " ( الرعد : 9)
الكبير سبحانه هو الواسع العظيم ، عظمة مطلقة فى الذات والصفات والأفعال ، فهو الذى كبر وعلا فى ذاته ، قال تعالى : " وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " ( البقرة :255) وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال : " ماالسموات السبع والأرضون السبع فى يد الله إلا كخردلة فى يد أحدكم " وهو الكبير فى أوصافه ، فلا سمى له ولا مثيل ، وهو الكبير فى أفعاله ، فعظمة الخلق تشهد بكماله وجلاله ، وهو سبحانه المتصف بالكبرياء ، ومن نازعه فى وصفه قصمه وعذبه .
31- المتعال
قال تعالى : " عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ " ( الرعد : 9)
المتعالى سبحانه هو القاهر فوق عباده بقدرته التامة ، فالاسم يدل على علو القهر ؛ فهو أحد معانى العلو ، فهو المستعلى على كل شئ بقدرته ، قد أحاط لكل شئ علما ، وقهر كل شئ ذلا ، فخضعت له الرقاب ، ودانت له العباد طوعا وكرها ، فكل شئ تحت قهره وسلطانه ، ليس فوقه شئ فى قهره ، فلا غالب له ولا منازع .
32- الواحد
قال تعالى : " وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ " ( إبراهيم :48)
الواحد سبحانه هو القائم بنفسه ، المنفرد بوصفه ، الذى لا يفتقر إلى غيره أزلا وأبدا . كان ولا شئ معه ، ولا شئ قبله ، وما زال بأسمائه وصفاته واحدا أحدا أولا قبل خلقه ، ووجود المخلوقات لم يزده كمالا كان مفقودا ، أو يزيل نقصا كان موجودا .
فالوحدانية قائمة على معنى الغنى بالنفس ، والانفراد بكمال الوصف ، خلق الخلق بلا معين ولا ظهير ، ومن انفرد بالخلق ، انفرد بالملك ، وصلاح العالم بأسره قائم على وحدانيته فى تدبير خلقه ، فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه ، واختلت أركانه .
33- القهار
قال تعالى : " وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ " ( إبراهيم :48)
القهار سبحانه هو الذى له علو القهر باعتبار الكثرة فى الجزء ، أو باعتبار نوعية المقهور ، فالله عز وجل قهر قوم نوح وعاد وثمود ، وقهر فرعون وهامان والنمرود ، وقهر أبا جهل والمشركين ، وقهر الفرس والصليبيين .
يقهر من نازعه فى ألوهيته وعبادته وربوبيته وأسمائه وصفاته ، وقهره سبحانه عظيم أليم .
34- الحق
قال تعالى : " فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " ( المؤمنون :116)
الحق سبحانه هو المتصف بالوجود الدائم والحياة والقيومية والبقاء ، فلا يلحقه زوال ولا فناء، وكل أوصاف الحق كاملة جامعة للكمال والجمال والعظمة والجلال .
وهو الذى يحق الحق ويقول الحق ، ووعده الحق ، ودينه حق ، وكتابه حق ، وما أخبر عنه حق ، وما أمر به حق ، وهو الذى يحق الحق بكلماته ، ويقطع دابر الكافرين .
35- المبين
قال تعالى : " وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ " ( النور:25)
المبين سبحانه هو المنفرد بوصفه ، المباين لخلقه ، وهو الذى أبان لكل مخلوق علة وجوده وغايته ، وأبان لهم طلاقة قدرته مع بالغ حكمته ، وأبان لهم الأدلة القاطعة على وحدانيته ، وأبان لهم دينه بأحكام شريعته ، ولا يعذب أحدا من خلقه إلا بعد بيان حجته ، خاطب عباده بكل أنواع البيان ، وأقام حجته بكل أنواع البرهان .
36- القوى
قال تعالى : " وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ " ( الشورى:19)
القوى سبحانه هو الموصوف بالقوة المطلقة ، لا يغلبه غالب ، ولا يرد قضاءه راد ، وهو القادر على إتمام فعله ، القوى فى بطشه وأخذه ، قوى فى ذاته لا يعتريه ضعف ولا قصور ، قيوم لا يتأثر بوهن أو فتور ، ينصر من ينصره ، ويخذل من خذله ، كتب الغلبة لنفسه ورسله وحزبه .
37- المتين
قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " ( الذاريات :58)
المتين سبحانه هو القوى الشديد المتناهى فى القوة والقدرة ، لاتتناقص قوته ، ولا تضعف قدرته ، ولا يلحقه فى أفعاله مشقة ، ولا كلف ، ولا تعب ، فالله عز وجل من حيث أنه بالغ القدرة تامها قوى ، ومن حيث أنه شديد القوة متين .
38- الحى
قال تعالى : " وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ " ( الفرقان :58)
الحى سبحانه هو الدائم فى وجوده ، الباقى حيا بذاته على الدوام ، أزلا وأبدا ، لاتأخذه سنة ولا نوم ، وهذا الوصف ليس لسواه ، فأى طاغوت عبد من دون الله ، فحياته تغالبها الغفلة والسنات ، فضلا عن حتمية الموت الذى سيوافيه ، فلا ينفرد بكمال الحياة ودوامها إلا الحى القيوم
39- القيوم
قال تعالى : " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " ( البقرة:255)
القيوم سبحانه هو القائم بنفسه ، الباقى بكماله ووصفه على الدوام ، أزلا وأبدا دون تغير أو تأثير ، والقائم بتدبير أمور خلقه فى إنشائهم وتولى أرزاقهم ، وتحديد آجالهم وأعمالهم ، وهو العليم بمستقرهم ومستودعهم ، وهو الذى يقوم به كل موجود ، حتى لا يتصور وجود شئ ولا دوامه إلا بقيوميته ، وإقامته له .
40- العلى
قال تعالى : " وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " ( البقرة:255)
العلى سبحانه هو الذى علا بذاته فوق جميع خلقه ، فاسم الله العلى دل على علو الذات والفوقية ، فهو سبحانه عال على عرشه ، بكيفية حقيقية معلومة لله مجهولة لنا ، ودائما ما يقترن اسم الله (العلى) باسمه (العظيم) ، وكذلك عند ذكر العرش والكرسى . ولما ذكر الله إعراض الخلق عن نبيه r أعلمه أنه الملك الذى لا يزول عن عرشه بإعراض الرعية، كشأن الملوك من خلقه ؛ لأنه المستغنى بذاته : " فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " ( التوبة : 129) ومعانى العلو عند السلف ثلاثة : فاسم الله العلى دل على علو الذات ، واسمه الأعلى دل على علو الشـأن ، واسمه المتعال دل على علو القهر .
41- العظيم
قال تعالى : " وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " ( البقرة:255)
العظيم سبحانه هو العظيم الواسع الكبير فى ذاته وصفاته ، فعظمة الذات دل عليها سعة كرسيه السموات والأرض ، أما عظمة الصفات فالله عز وجل له علو الشأن فيها ، ليس كمثله شئ فى كل ما وصف به نفسه .
وإذا كان عرشه سبحانه قد وصفه بالعظمة ، فما بالك بعظمة من استوى عليه . وينبغى أن نعلم أن عظمة الله فى ذاته ، لا تُكَيَّف ، ولا تُحَدّ لطلاقة الوصف .
42- الشكور
قال تعالى : " وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ " ( التغابن :17)
الشكور سبحانه هو الذى يزكو عنده القليل من أعمال عبده ، ويضاعف له الجزاء ، فيثيب الشاكر على شكره ، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف مضاعفة ، ويضع عنه وزره .
فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه ، وشكر الله للعبد بأن يثنى عليه بين ملائكته وفى ملئه الأعلى ، بذكر طاعته ، ويلقى له الشكر بين عباده .
والشكور سبحانه هو أولى بصفة الشكر من كل شكور ، بل هو الشكور على الحقيقة ، فإنه يعطى العبد ويوفقه لما يشكره عليه ، وإذا ترك العبد شيئا له أعطاه أفضل منه ، وإذا بذل له شيئا رده عليه أضعافا مضاعفة ، وهو الذى وفق عبده للترك والبذل ، ثم شكره على هذا وذاك .
43- الحليم
قال تعالى : " وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ " ( التغابن :17)
الحليم سبحانه هو الذى يتجاوز عن الزلات ، ويمهل الطائعين ليزدادوا من الطاعة والثواب ، ويمهلا العاصين لعلهم يرجعون للطاعة والصواب . ولو أنه عجل لعباده الجزاء ما نجا أحد من أليم العقاب ، ولكنه هو الحليم ذو الصفح والأناة ، استخلف الإنسان فى أرضه واسترعاه ، واستبقاه إلى يوم موعود ، فأجل بحلمه عقاب الكافرين .
44- الواسع
قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (البقرة :115)
الواسع سبحانه هو الذى وسع علمه جميع المعلومات ، ووسعت قدرته جميع المقدورات ، ووسع سمعه جميع المسموعات ، ووسع رزقه جميع المخلوقات .
وهو الكثير العطاء ، سحّاء الليل والنهار ، وسعت رحمته كل شئ ، وهو المحيط بكل شئ .
45- العليم
قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (البقرة :115)
العليم سبحانه هو الذى ما كان وما هو كائن وما سيكونُ، أَحاط عِلمُه بجميع الأَشياء ظاهرها وباطِنِها، دقِيقها وجليلها فما من صغيرة ولا كبيرة إلا تعلقت بعلمه .
فعلمه بالشيء قبل كونه وهو سر الله في خلقه، ضن به على عباده لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهذا علم التقدير ومفتاح ما سيصير ، مَن هم أهل الجنة ومن هم أهل السعير؟ فكل أمور الغيب قدرها الله في الأزل ، ومفتاحها عنده وحده ، ولم يزل.
وكذلك علمه بالشيء وهو في اللوح المحفوظ بعد كتابته ، وقبل إنفاذ أمره ومشيئته، فالله U كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم بخمسين ألف سنة، ثم علمه سبحانه بالشيء حال كونه وتنفيذه ، ووقت خلقه وتصنيعه .
فهو الذى يعلم ما تحمل كل أنثى ، وما تغيض الأرحام وما تزداد ، ويعلم ما يلج فى الأرض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، ثم علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه، وإحاطته بالفعل بعد كسبه وتحقيقه ، فالله U عالم بما كان وما هو كائن، وما سيكون، وما لو كان كيف يكون على ما اقتضته حكمته البالغة
46- التواب
قال تعالى : " وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ " (البقرة :160)
والتواب سبحانه هو الذي يقبل التوبة عن عباده حالا بعد حال، فما من عبد عصاه ، وبلغ عصيانه مداه ، ثم رغب في التوبة إليه ، إلا فتح له أبواب رحمته، وفرح بعودته وتوبة ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها . والتواب هو الذي يرجع إليه تيسير أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى، بما يظهر لهم من آياته، ويسوق إليهم من تنبيهاته، ويطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته، حتى إذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب ، استشعروا الخوف بتخويفه، فرجعوا إلى التواب لعله يغفر ويتوب . فتوبة الله على عبده نوعان : إذن وتوفيق وإلهام ، وقبول وإثابة وإكرام .
47- الحكيم
قال تعالى : " لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " ( آل عمران :18)
الحكيم سبحانه هو المتصف بحكمة حقيقية ، قائمة به كسائر صفاته، والتي من أجلها خلق فسوى ، وقدر فهدى ، وأسعد وأشقى ، وأضل وهدى ، ومنع وأعطى، فهو المحكم لخلق الأشياء على مقتضى حكمته .
وهو الحكيم في كل ما فعله وخلقه حكمة تامة ، اقتضت صدور هذا الخلق، ونتج عنها ارتباط المعلول بعلته والسبب بنتيجته، وتيسير كل مخلوق لغايته، وإذا كان الله U يفعل ما يشاء ولا يرد له قضاء، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، إلا أنه الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها، ويعلم خواصها ، ومنافعها ، ويرتب أسبابها ، ونتائجها ، فكما لا يخرج مقدور عن علمه وقدرته ومشيئته ، فهكذا لا يخرج عن عدله وحكمته ، فمصدر ذلك كله الحكمة.
48- الغنى
قال تعالى : " وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " ( الحج :64)
والغني سبحانه هو المستغني عن الخلق بذاته وصفاته وسلطانه، والخلق جميعا فقراء إلى إنعامه وإحسانه، فلا يفتقر إِلى أَحدٍ في شيءٍ، وكلُّ مخلوق مفتقر إِليه، وهذا هو الغنى المُطْلَق ولا يُشارِك اللهَ تعالى فيه غيرُه .
والغني أيضا هو الذي يُغني من يشاءُ من عِباده على قدر حكمته وابتلائه، وأي غني سوى الله ؛ فغناه نسبي مقيد، أما غنى الحق سبحانه فهو كامل مطلق .
ومهما بلغ المخلوق في غناه فهو فقير إلى الله ؛ لأنه سبحانه المنفرد بالخلق والتقدير والملك والتدبير، فهو المالك لكل شيء المتصرف بمشيئته في خلقه أجمعين، يعطي من يشاء ما يشاء من فضله، وقسم لكل مخلوق ما يخصه من حياته ورزقه، عطاؤه لا يمتنع ومدده لا ينقطع، وخزائنه ملأى لا تنفد ، واتصاف غير الله بالغنى ، لا يمنع كون الحق متوحدا في غناه، وهذا واضح معلوم، وذلك مضطرد في جميع أوصافه بدلالة اللزوم .
49- الكرييم
قال تعالى : " ياأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ " ( الانفطار :6)
والله سبحانه هو الكريم الواسع في ذاته وصفاته وأفعاله، من سعته وسع كرسيه السماوات والأرض، ومن سعة عرشه وصفه بالكرم ، وهو الكريم له المجد والعزة والرفعة والعظمة والعلو والكمال فلا سميَّ له كما قال: " هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً " ( مريم :65) وهو الذي كرَّم الإنسان لما حمل الأمانة وشرفه ، واستخلفه في أرضه ، وأستأمنه في ملكه ، وفضله على كثير من خلقه .
وهو الذي بشر عباده المؤمنين بالأجر الكريم الواسع، والمغفرة الواسعة، والرزق الواسع، وهو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ، ولا ينقطع سحاؤه، الذي يعطي ما يشاء ، لمن يشاء ، وكيف يشاء بسؤال وغير سؤال، وهو الذي لا يمن إذا أعطى ؛ فيكدر العطية بالمن .
50- الأحد
قال تعالى : " قُل هُوَ اللهُ أَحَد " (الإخلاص :1)
الأحد سبحانه هو المنفرد بذاته ووصفه ، المباين لغيره، فالأحدية هي الانفراد ونفي المثلية، وتعني انفراده سبحانه بذاته وصفاته وأفعاله عن ذوات المخلوقين وصفاتهم وأفعالهم ، فلا مثيل له فنحكم على كيفية أوصافه من خلاله، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم ، لأنه المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد .
51- الصمد
قال تعالى : " قُل هُوَ اللهُ أَحَد . اللهُ الصَّمَدُ " (الإخلاص :1، 2)
الصمد سبحانه هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء، وهو المستغني عن كل شيء، وكل من سواه مفتقر إليه، يصمد إليه ويعتمد عليه، وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله، لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وليس فوقه أحد في كماله، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم، فالأمور أصمدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه لا يقضي فيها غيره، وهو المقصود إليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب، الذي يطعم ولا يَطعَم، ولم يلد ولم يولد .
52- القريب
قال تعالى : "إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ " ( هود : 61)
والقريب سبحانه هو الذي يقرب من خلقه كما شاء وكيف شاء، وهو القريب من فوق عرشه، أقرب إلى عباده من حبل الوريد ، والمخلوقات كلها بالنسبة إليه تتقارب من صغرها إلى عظمة ذاته وصفاته، فلا يقدر أحد على إحاطة بُعد ما بين العرش والأرض من سعته وامتداده، عليم بالسرائر، يعلم ما تكنه الضمائر.
وهو قريب بالعلم والقدرة فيما يتعلق بالخلائق أجمعين ، وقريب باللطف والنصرة وهذا خاص بالمؤمنين، من تقرب منه شبرا تقرب منه ذراعا ، ومن تقرب منه ذراعا ، تقرب منه باعا ، وهو أيضا قريب من عبده بقرب ملائكته الذين يطلعون على قوله وفعله
53- المجيب
قال تعالى : "إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ " ( هود : 61)
والمُجِيب سبحانه هو الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول والعَطاء، وهو المجيب الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، ويغيث الملهوف إذا ناداه، ويكشف السوء عن أوليائه ، ويرفع البلاء عن أحبائه، وكل الخلائق مفتقرة إليه، ولا قوام لحياتها إلا عليه، لا ملجأ لها منه إلا إليه.
والمجيب حكيم في إجابته، قد يعجل أو يؤجل على حسب السائل والسؤال، أو يلطف بعبده فيختار له ما يناسب الحال، أو يدخر ما ينفعه عند المصير والمآل، لكن الله تعالى يجيب عبده حتما، ولا يخيب ظنه كما وعده .
54- الغفور
قال تعالى : " وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ " ( البروج :14)
والغفور سبحانه هو الذي يستر العيوب ويغفر الذنوب، ومهما تعاظمت النفس وتمادت فى جرمها فهو سبحانه يغفر الكبائر والصغائر جميعها ، فلو أراد العبد الرجوع إلى الرب، فإن باب المغفرة مفتوح في كل وقت، ما لم تغرر النفس أو تطلع الشمس من مغربها .
55- الودود
قال تعالى : " وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ " ( البروج :14)
والودود سبحانه هو الذي يحب رسله وأولياءه ، ويتودد إليهم بالمغفرة والرحمة ، فيرضى عنهم، ويتقبل أعمالهم ، ويوددهم إلى خلقه ، فيحبب عباده فيهم . والله سبحانه ودود يؤيد رسله وعباده الصالحين بمعيته الخاصة، فلا يخيب رجاءهم ، ولا يرد دعاءهم، وهو عند حسن ظنهم به، وهو الودود لعامة خلقه بواسع كرمه ، وسابغ نعمه، يرزقهم ويؤخر العقاب عنهم ، لعلهم يرجعون
56- الولى
قال تعالى : " وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ " (الشورى :28)
والولي سبحانه هو المُتَوَلي لأُمُور خلقه القَائِم على تدبير ملكه، الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه . وولاية الله لعباده على وجهين:
الوجه الأول: الولاية العامة وهي ولاية الله لشئون عباده، وتكفله بأرزاقهم وتدبيره لأحوالهم، وتمكينهم من الفعل والاستطاعة، وذلك بتيسير الأسباب ونتائجها وترتيب المعلولات على عللها. الوجه الثاني: ولاية الله للمؤمنين وهي ولاية حفظ وتدبير وعصمة ومحبة ونصرة ، سواء كان تدبيرا كونيا أو شرعيا . وشرط هذه الولاية الإيمان ، وتحقيق الإخلاص والمتابعة .
57- الحميد
قال تعالى : " وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " (فاطر :15)
والحميد سبحانه هو المستحق للحمد والثناء، فهو سبحانه المحمود على ما خلق وشرع، ووهب ونزع، وضر ونفع، وأعطى ومنع، وهو المحمود على حكمته فى خلق العباد ومعاصيهم ، وإيمانهم وكفرهم، وهو المحمود على خلق الرسل وأعدائهم، وهو المحمود على عدله في أعدائه ، كما هو المحمود على فضله وإنعامه على أوليائه، فكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده، وإن من شيء إلا يسبح بحمده .
58- الحفيظ
قال تعالى : " وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ " (سبأ :21)
والحفيظ سبحانه هو العليم المهيمن الرقيب على خلقه، لا يَعْزُب عنه مِثقالُ ذرّة في ملكه، وهو الحفيظ الذي يحفظ أعمال المكلفين، والذي شرَّف بحفظها الكرام الكاتبين ، يدونون على العباد القول والخطرات والحركات والسكنات، ويضعون الأجر كما حُدد لهم بالحسنات والسيئات .
وهو الحفيظ الذي يحفظ عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم لتشهد عليهم يوم اللقاء وهو الحفيظ لمن يشاءُ من الشَّرِّ والأذى والبلاء .
والحفيظ أيضا هو الذي يحفظ أهل التوحيد والإيمان، ويعصمهم من الهوى وشبهات الشيطان، ويحول بين المرء وقلبه من الوقوع في العصيان، ويهيئ الأسباب لتوفيقه إلى الطاعة والإيمان ، وهو الحفيظ لمخلوقاته ، يبقيها على حالها لغاياتها ، وينظم ترابط العلل بمعلولاتها .
59- المجيد
قال تعالى : " إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " (هود :73)
والمجيد سبحانه هو الذي علا وارتفع بذاته فوق كل شئ ، له المجد في أسمائه وصفاته وأفعاله ، فمجد الذات الإلهية بيِّن في علوه واستوائه على عرشه، وكيفية جمال الذات أو كيفية ما هو عليه أمر لا يدركه سواه ولا يعلمه إلا الله، وليس عند المخلوقين منه إلا ما أخبر به عن نفسه من كمال وصفه ، وجلال ذاته ، وكمال فعله .
أما مجد أوصافه فله علو الشأن فيها، لا سمي له ولا نظير ولا شبيه له ولا مثيل ، فالمجد وصف جامع لكل أنواع العلو التي يتصف بها المعبود ، وعظمته في علوه عظمة حقيقية فهو المجيد حقا وصدقا، ومجد الظالمين زورا وإفكا .
وأي عاقل سيقر بمجد أفعاله وبالغ كرمه وإنعامه وجوده وإحسانه، فهو الذي أوجد المخلوقات وحفظها وهداها ورزقها ، فسبحان المجيد في ذاته وصفاته وأفعاله .
60- الفتاح
قال تعالى : " وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ " (سبأ :26)
والفتَّاح سبحانه هو الذي يفتح أبواب الرَّحْمة والرزق لعباده أجمعين ، أو يفتح أبواب المحنة والقتنة لابتلاء المؤمنين الصادقين، وهو الذى يفتح على عباده بواسع كرمه وفضله ، فيبدعوا بعقولهم فى إعمار أرضه ، ويهتدوا فيما استخلفهم بوحيه وشرعه ، فيؤمنوا بربوبيته ، ويحققوا التوحيد فى ألوهيته . والفتاح هو الذي يحكم بين العباد يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون .
61- الشهيد
قال تعالى : " وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " (سبأ : 47)
والشهيد سبحانه هو الرقيب على خلقه ، أينما كانوا وحيثما كانوا، أقرب إليهم من حبل الوريد، يسمع ويرى ، وهو على العرش استوى . وشهادته على خلقه شهادة إحاطة شاملة كاملة، تشمل العلم والرؤية والتدبير والقدرة . والشهيد أيضا هو الذي شهد لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط ، وشهادته حكم وقضاء وإعلام وبيان وإخبار وإلزام ، وهى فوق كل شهادة ، والله يشهد بصدق المؤمنين إذا وحدوه ، ويشهد لرسله وملائكته فيما بلغوه .
62- المقدم
قال رسول الله r : " أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ . أَوْ : لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ "
والمقدم سبحانه هو الذي يقدم ويؤخر وفق مشيئته وإرادته، فالتقديم من أنواع التدبير الذي يتعلق بفعل الله في خلقه، وهو على نوعين : كوني وشرعي، فالتقديم الكوني تقدير الله في خلقه وتكوينه وفعله كما ورد ذلك في قوله تعالى : " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ " (يونس:49) ومن التقديم المتعلق بالتدبير الكوني اصطفاء الحق لمن شاء من خلقه، وتقديم بعض خلقه على بعضه ، بناء على حكمته في ابتلاء المخلوقات ، واصطفاء من شاء للرسالات .
أما التقديم الشرعي فهو متعلق بمحبة الله لفعل دون فعل، وتقديم بعض الأحكام على بعض، لما تقتضيه المصلحة التي تعود على العباد، فالمُقَدِّم سبحانه هو الذي يُقدِّم الأشياء ويَضَعها في مواضِعها على مقتضى الحكمة والاستحقاق، فمن اسْتَحقّ التقديمَ قدّمه ومن استحق التأخير أخره.
والله تعالى أيضا هو المقدم الذي قدم الأحباء ، وعصمهم من معصيته، وقدم رسول الله r على الأنبياء تشريفا له على غيره، وقدم أنبياءه وأولياءه على غيرهم ، فاصطفاهم ونصرهم وطهرهم وأكرمهم .
63- المؤخر
قال رسول الله r : " أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ "
والمؤخْر سبحانه هو الذي يُؤخّر الأشياء ، فَيَضَعُها في مَواضعها، إما تأخيرا كونيا ، وإما تأخيرا شرعيا على مقتضى الحكمة والابتلاء ، وهو الذى يؤخر العذاب عن العصاة لعلمهم يرجعون ويستغفرون .
والفرق بين الآخر والمؤخر أن الآخر دل على صفة من صفات الذات، والمؤخر دل على صفة من صفات الفعل .
64- المليك
قال تعالى : " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ " (القمر :54 ،55)
المليك سبحانه هو من اتصف بالملكية والملك معا ، والفرق بين المالك والملك والمليك، أن المالك في اللغة صاحب المِلْك أو من له ملكية الشيء، ولا يلزم أن يكون المُلك له، فقد يؤثر الملك على المالك وملكيته ، فيحجر على ملكيته ، أو ينازعه فيها ، أو يسلبها منه .
أما الملك فهو أعم من المالك ؛ لأنه غالب قاهر فوق كل مالك، فالملك مهيمن على المُلك ، وإن لم تكن له الملكية إلا بضرب من القهر ومنع الغير من التصرف فيما يملكون، والمليك هو من له كمال الملكية والملك معا ، مع دوامها أزلا وأبدا .
65- المقتدر
قال تعالى : " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ " (القمر :54 ،55)
والمقتدر سبحانه هو الذي يقدِّر الأشياء بعلمه ، وينفذها بقدرته، فالمقتدر يجمع دلالة اسم الله القادر والقدير معا، فاسم الله القادر هو الذي يقدر المقادير في علمه قبل وجودها وخلقها ، فالقدير هو الذي يخلق بقدرته وفق سابق التقدير . أما المقتدر فيجمع بين المعنيين فى كمال التقدير والقدرة معا ، ولذلك جمع القرآن بين اسم الله المليك والمقتدر فى موضع واحد ؛ لوحدة الدلالة على اسمين فى كل منهما ,
66- المسعر
عن أَنَسٍ بن مالك رضى الله عنه أنه قال: قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ غَلاَ السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e : " إِنَّ اللهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وإني لأَرْجُو أَنْ أَلْقَي اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ "
والمسعر سبحانه هو الذي يزيد الشيء ويرفع من قيمته ، أو تأثيره ومكانته، فيقبض ويبسط وفق مشيئته وحكمته، والتسعير وصف كمال في حقه ، وهو من صفات فعله ، فهو الذي يرخص الأشياء ويغليها وفق تدبيره الكوني ، أو ما أمر به العباد في تدبيره الشرعي . والمسعر سبحانه هو الذي يسعر بعدله العذاب على أعدائه ، وهذا حقه من جهة تدبير الكوني، حيث أوجد النار وزادها سعيرا على الكفار، ولا يعذب بالنار فى الدنيا إلا رب النار ، وهذا من تدبيره الشرعي.
67- القابض
والقابض سبحانه هو الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء بلطفه وحكمته، ويقبض الأرواح عند المَمات بأمره وقدرته، وقبضه تعالى وإمساكه وصف حقيقي لا نعلم كيفيته، نؤمن به علي ظاهره وحقيقته ، لا نمثل ولا نكيف ولا نعطل ولا نحرف ، ويضيق الأسباب على قوم ، ويوسع على آخرين ابتلاء وامتحانا .
68- الباسط
الباسط سبحانه هو الذي يبسط الرزق لعباده بجوده ورحمته، ويوسعه عليهم ببالغ كرمه وحكمته، فيبتليهم بذلك على ما تقتضيه مشيئته، فإن شاء وسع، وإن شاء قتر فهو الباسط القابض، وهو الذي يبسط يده بالتوبة لمن أساء، وهو الذي يملي لهم فجعلهم بين الخوف والرجاء
69- الرازق
والرازق سبحانه هو الذي يرزق الخلائق أجمعين، وهو الذي قدر أرزاقهم قبل خلق العالمين، وهو الذي تكفل باستكمالها ولو بعد حين، فلن تموت نفس إلا باستكمال رزقها كما أخبرنا الصادق الأمين e : " أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَل وَدَعُوا مَا حَرُمَ ".
فالرازق اسم يدل على وصف الرزق العام والشامل للخلائق في التقدير الأزلي والميثاقي، فالله سبحانه قدر خلقهم ورزقهم معا قبل وجودهم، وكتب أرزاقهم في الدنيا والآخرة قبل إنشائهم، فالرزق وصف عام يتعلق بعموم الكون في عالم الملك والملكوت ، أو رزق الدنيا والآخرة ، حتى إن ما يتناوله العبد من الحرام هو داخل في هذا الرزق، فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة ويرزقون رزقا حسنا، وقد لا يرزقون إلا بتكلف .
70-القاهر
قال تعالى : " وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ " (الأنعام :18)
والقاهر سبحانه هو الغالِب على جميع الخلائق على المعنى العام، الذي يعلو في قهره وقوته فلا غالب ولا منازع له، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه، ويستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد ؛ لأن الله قاهر فوق عباده له العلو والغلبة، فلو فرضنا وجود إلهين اثنين مختلفين ومتضادين ، وأراد أحدهما شيئا خالفه الآخر، فلا بد عند التنازع من غالب وخاسر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب العاجز، والذي نفذت إرادته هو القاهر القادر .
71- الديان
قال النبي e : " يَحْشُرُ اللهُ الْعِبَادَ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ " (صححه الألبانى)
والديان سبحانه هو الذي دانت له الخليفة، وعنت له الوجوه ، وذلت لعظمته الجبابرة ، وخضع لعزته كل عزيز، ملك قاهر على عرش السماء مهيمن، لعزته تعنو الوجوه وتسجد، يرضى على من يستحق الرضا ويثيبه ويكرمه ويدنيه، ويغضب على من يستحق الغضب ويعاقبه ويهينه ويقصيه، فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء، ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ويقرب من يشاء ويقصي من يشاء، ، فهو الديان الذي يدين العباد أجمعين ، كتب أعمالهم فهي حاضرة ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، إلا أظهرها لهم في الآخرة .
72- الشاكر
قال تعالى : " فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ " (البقرة :158)
الشاكر سبحانه يجازي العباد على أعمالهم، ويضاعف لهم من أجورهم، فيقابل شكرهم بزيادة النعم في الدنيا ، وواسع المغفرة في الآخرة . والله عز وجل شاكر يرضى بأعمال العباد وإن قلت، تكريما لهم ودعوة للمزيد، مع أنه سبحانه قد بين ما لهم من وعد أو وعيد، لكنه شاكر يتفضل بمضاعفة الأجر، ويقبل التوبة ويمحو ما يشاء من الوزر، والله غني عنا وعن شكرنا ، لا يفتقر إلى طاعتنا ، أو شيء من أعمالنا ، لكنه يمدح من أطاعه ، ويثني عليه ويثيبه، ليعود النفع علينا ، فيشكر على ذلك .
73- المنان
عن أنس رضى الله عنه أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ e جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلّي ثُمَّ دَعَا: " اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ " فقال النبى e : " لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى "
والمنان سبحانه هو العظيم الهبات ، الوافر العطايا، الذي يُنْعِمُ غيرَ فاخِرٍ بالإِنعام ، والذي يبدأ بالنوال قبل السؤال، وهو المُعْطي ابتداء وانتهاء، فلله المِنَّة على عباده ولا مِنَّة لأَحد عليه، فهو المحسن إلي العبد والمنعم عليه، ولا يطلب الجزاء في إحسانه إليه ، بل أوجب بفضله لعباده حقا عليه، منة منه وتكرما إن هم وحدوه في العبادة ولم يشركوا به شيئا
74- القادر
قال تعالى : " فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ " (المرسلات :23 )
والقادر سبحانه هو الذي يقدر المقادير في علمه، وعلمه المرتبة الأولى من قضائه وقدره، فالله U قدر كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه، ونظم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ثم كتب في اللوح هذه المعلومات ودونها بالقلم في كلمات، وكل مخلوق مهما عظم شأنه أو قل كتب الله ما يخصه في اللوح المحفوظ ، ثم يشاء بحكمته وقدرته ، أن يقع الأمر على ما سبق في تقديره .
ولذلك فإن القدر عند السلف مبني على التقدير والقدرة، فبدايته في التقدير وهو علم حساب المقادير، أو العلم الجامع التام لحساب النظام العام الذي يسير عليه الكون من بدايته إلى نهايته، ونهايته فى القدرة .
فالقادر هو الذي قدر المقادير قبل الخلق والتصوير، والقادر دلالته تتوجه إلى المرتبة الأولى من مراتب القدر، وهي العلم والتقدير وإمكانية تحقيق المقدر .
75- الخلاق
قال تعالى : " وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ " (يس :81)
والفرق بين الخالق والخلاق أن الخالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير وعلم ، ثم بمشيئة وتصنيع وخلق ، عن قدرة وغنى، أما الخلاق فهو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا حيث شاء، فيعيد ما خلق ويكرره كما كان، بل يخلق خلقا جديدا أحسن مما كان . والخلاق أيضا يقدر الأخلاق وينوعها فى تقسيمها بين العباد، فهو المقدر للخلق والأخلاق، العليم بأهل الحق وأهل النفاق .
76- المالك
فقال النبى e : " إِنَّ أَخْنَع اسْمٍ عِنْدَ اللّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللّهُ "
المالك سبحانه هو الذى يملك الأشياء كلها ، ويصرفها على إرادته ، لايمتنع عليه شئ منها ، هو المتصرف فى الملك ، والقادر عليه ، ملكه عن أصالة واستحقاق؛ لأنه الخالق الحى القيوم الوارث للعباد جميعا ، فاستحق الملك سببه أمران :
الأول: صناعة الشيء وإنشائه واختراعه ، فملوك الدنيا لا يمكن لأحدهم أن يؤسس ملكه بجهده منفردا فلا بد له من ظهير أو معين، سواء من أهله وقرابته، أو حزبه وجماعته، أما المالك عز وجل هو المتفرد بالملكية حقيقة، فلا أحد ساعده في إنشاء الخلق أو عاونه على استقرار الملك .
الثاني: دوام الحياة فهو علة أخرى لاستحقاق الملك لأنه يوجب انتقال الملكية وثبوت التملك، ومعلوم أن كل من على الأرض فان ، وأن الحياة وصف ذات لله والإحياء وصف فعله، فإن المُلْك بالضرورة سيئول إلى خالقه ومالكه ، فالمُلْك لله في المبتدأ عند إنشاء الخلق فلم يكن أحد سواه، والملك لله في المنتهى عند زوال الأرض لأنه لن يبق من الملوك سواه .
77- الرزاق
قال تعالى : " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " (الذاريات : 58)
الرزاق سبحانه هو صاحب العطاء المتجدد الذي يأخذه صاحبه في كل تقدير يومي أو سنوي أو عمري ، فينال ما قسم له في التقدير الأزلي والميثاقي، والرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ المقدر في عطاء الرزق المقسوم بمقتضى اسمه الرازق ، والذي يخرجه في السماوات والأرض فإخراجه في السماوات يعني أنه مقضي مكتوب، وإخراجه في الأرض يعني أنه سينفذ لا محالة، ، تنفيذا للمقسوم في سابق التقدير . فالرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ العطاء الذي قدره لأرزاق الخلائق لحظة بلحظة ؛ فهو كثير الإنفاق، وهو المفيض بالأرزاق رزقا بعد رزق، مبالغة في الإرزاق، ألا ترى أن الله رتب أرزاق الخلائق بعضها يرزق من بعض فى سلسلة متوالية متسلسلة رتبها في خلقه، فتبارك من جعل رزق الخلائق عليه، ضمن رزقهم ، وسيؤديه لهم كما وعد .
78- الوكيل
قال تعالى : " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " (آل عمران :173)
والوكيل سبحانه هو الذي توكل بالعالمين خلقا وتدبيرا، وهداية وتقديرا، فهو المتوكل بخلقه إيجاد وإمدادا ، وهو الكفيل بأرزاق عباده ومصالحهم .
وهو سبحانه وكيل المؤمنين ، الذين ركنوا إلى حوله وقوته، وخرجوا من حولهم وطولهم ، وآمنوا بكمال قدرته، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم ، واستعانوا به حال كسبهم، وحمدوه بالشكر بعد توفيقه لهم .
79- الرقيب
قال تعالى : " وَكَانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً " (الأحزاب :52)
الرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه ، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ومراقبة الله لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية، وقدرة وصمدية، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ملك له الملك كله، وله الحمد كله، أزمة الأمور كلها بيديه، ومصدرها منه ، ومردها إليه، مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية، عالم بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي، ويدبر أمور مملكته، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظ دائمة، وهيمنة كاملة، وعلم وإحاطة .
80- المحسن
عن شداد بن أوس رضى الله عنه أن رسول الله e قال: " إن الله محسن يحب الإحسان ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ " (صحيح الجامع )
والمحسن سبحانه هو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله، فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته، لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة، إن أعطى فبفضله ورحمته، وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه ؛ فأتقن صنعه ، وأبدع كونه ، وهداه لغايته ، وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه ، وشمول كرمه ، وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه، وأحسن إلي المؤمنين ؛ فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله، وأحسن إلى من أساء فأمهله ، ثم حاسبه بعدله .
81- الحسيب
قال تعالى : " وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً " ( النساء :86)
والحسيب سبحانه هو العليم الكافي الذي قدر أرزاق الخلائق قبل خلقهم، ووعد باستكمال العباد لأرزاقهم على مقتضى حكمته في ترتيب الأسباب، فضمن ألا تنفد خزائنه من الإنفاق، وأن كلا سينال نصيبه من الأرزاق، فهو الحسيب الرزاق وهو القدير الخلاق .
وهو سبحانه أيضا الحسيب الذي يكفي عباده إذا التجئوا إليه، واستعانوا به واعتمدوا عليه، وهو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها، ويضبط مقاديرها وخصائصها، ويحصي أعمال المكلفين في مختلف الدواوين، يحصي أرزاقهم وأسبابهم وأفعالهم ومآلهم ، في حال وجودهم ، وبعد موتهم وعند حسابهم يوم يقوم الأشهاد ، فهو المجازي للخليقة عند قدومها بحسناتها وسيئاتها .
والحسيب أيضا هو : الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ، ومعاني الكمال، وله في ذاته وصفاته مطلق الجمال والجلال .
82- الشافى
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ e كَانَ إِذَا أَتَي مَرِيضًا أَوْ أُتِي بِهِ قَالَ: " أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا "
والشافي سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل، ويشفي العليل بالأسباب والأمل ، فقد يبرأ الداء مع انعدام الدواء، وقد يشفي الداء بلزوم الدواء، ويرتب عليه أسباب الشفاء، وكلاهما باعتبار قدرة الله سواء، فهو الشافي الذي خلق أسباب الشفاء ، ورتب النتائج على أسبابها ، والمعلولات على عللها، فيشفي بها وبغيرها، لأن حصول الشفاء عنده يحكمه قضاؤه وقدره .
فالأسباب سواء ترابط فيها المعلول بعلته ، أو انفصل عنها هي من خلق الله وتقديره، ومشيئته وتدبيره، والأخذ بها لازم علينا من قبل الحكيم سبحانه ؛ لإظهار الحكمة في الشرائع والأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام، وظهور التوحيد وحقائق الإسلام .
83- الرفيق
عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ e قال : " إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَي الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَي مَا سِوَاهُ "
والرفيق سبحانه هو اللطيف بعباده ، القريب منهم يغفر ذنوبهم ويتوب عليهم، وهو الذي تكفل بهم من غير عوض أو حاجة، فييسر أسبابهم، وقدر أرزاقهم، وهداهم لما يصلحهم، فنعمته عليهم سابغة، وحكمته فيهم بالغة، يحب عباده الموحدين ويتقبل صالح أعمالهم، ويقربهم وينصرهم على عدوهم، ويعاملهم بعطف ورحمة وإحسان، ويدعو من خالفه إلى التوبة والإيمان ، فهو الرفيق المحسن في خفاء وستر.
والله U رفيق يتابع عباده في حركاتهم وسكناتهم، ويتولاهم في حلهم وترحالهم بمعية عامة وخاصة . وهو الرفيق الذي يجمع عباده الموحدين عنده في الجنة .
84- المعطى
قال رَسُولَ اللهِ e : " مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَاللهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ "
والمعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه ، وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة ، وعطاء الله قد يكون عاما أو خاصا.
فالعطاء العام يكون للخلائق أجمعين، والعطاء الخاص يكون للأنبياء والمرسلين وصالح المؤمنين، والعطاء العام هو تمكين العبد من الفعل ومنحه القدرة والاستطاعة، كل على حسب رزقه أو قضاء الله وقدره، ومن العطاء الخاص استجابة الدعاء ونصرة الأنبياء والأولياء .
85- المقيت
قال تعالى : " وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً " ( النساء :85)
والمقيت سبحانه هو المقتدر الذي خلق الأقوات ، وتكفل بإيصالها إلى الخلق، وهو حفيظ عليها، فيعطي كل مخلوق قوته ورزقه على ما حدده سبحانه من زمان ، أو مكان ، أو كم ، أو كيف وبمقتضى المشيئة والحكمة، فربما يعطي المخلوق قوتا يكفيه لأمد طويل أو قصير ، كيوم أو شهر أو سنة، وربما يبتليه فلا يحصل عليه إلا بمشقة وكلفة .
والله U خلق الأقوات على مختلف الأنواع والألوان ، ويسر أسباب نفعها للإنسان والحيوان.
وكما أنه سبحانه المقيت الذي يوفي كامل الرزق ، فإنه أيضا مقيت القلوب بالمعرفة والإيمان، وهو الحافظ لأعمال العباد بلا نقصان ولا نسيان .
86- السيد
عن عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ t قالَ: " انْطَلَقْتُ في وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ الله e فَقُلنا: أَنْتَ سَيِّدُنا، فقَالَ: " السَّيِّدُ الله " .
والسيد سبحانه وهو الذي حقت له السيادة المطلقة التى تتضمن كل أوجه الكمال والجمال، فالخلق كلهم عبيده وهو ربهم وهو الذي يملك نواصيهم ويتولاهم، وهو المالك الكريم الحليم الذي يتولى أمرهم ويسوسهم إلى صلاحهم ، فإن سيد الخلق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون ، وبأمره يعلمون ، وعن قوله يصدرون، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقا له سبحانه وتعالى وملكا له، ليس لهم غنى عنه طرفة عين، وكل رغباتهم إليه، وكل حوائجهم إليه، كان هو سبحانه وتعالى السيد على الحقيقة.
87- الطيب
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رَسُولِ الله e قال" أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا "
الطيب سبحانه المتصف بالكمال والجمال في ذاته وأسمائه وصفاته، وهو أيضا طيب في أفعاله يفعل الأكمل والأحسن، فهو الذي أتقن كل شيء، وأحسن كل شيء، فالحكيم اسمه والحكمة صفته، وهي بادية في خلقه تشهد لكمال فعله، وتشهد بأنه جميل جليل عليم خبير، والطيب أيضا هو القدوس المنزه عن النقائص والعيوب، وهو الذي طيب الدنيا للموحدين فأدركوا الغاية منها، وعلموا أنها وسيلة إلى الآخرة ، وطيب الجنة لهم بالخلود فيها فشمروا إليها سواعدهم ، وضحوا من أجلها بأموالهم وأنفسهم ، رغبة في القرب من الله .
88- الحكم
قال رَسُولِ الله e : " إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ "
والحكم سبحانه هو الذي يحكم في خلقه كما أراد، إما إلزاما لا يرد ، وإما تكليفا وابتلاء للعباد، فحكمه في خلقه نوعان:
أولا: حكم يتعلق بالتدبير الكوني ، وهو واقع لا محالة لأنه يتعلق بالمشيئة، ومشيئة الله لا تكون إلا بالمعنى الكوني، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ومن ثم لا راد لقضائه لا معقب لحكمه ولا غالب لأمره، ومن هذا الحكم ما ورد في قوله تعالى: " وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ "
ثانيا: حكم يتعلق بالتدبير الشرعي وهو حكم تكليفي ديني يترتب عليه ثواب وعقاب وموقف المكلفين يوم الحساب، ومثاله ما جاء في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ أُحِلتْ لكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلى عَليْكُمْ غَيْرَ مُحِلي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ " [المائدة:1] .
89- الأكرم
قال تعالى : " اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ " ( العلق :3)
والأكرم سبحانه هو الذي لا يوازيه كرم ، ولا يعادله في كرمه نظير، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم، لكن الفرق بين الكريم والأكرم أن الكريم دل على الصفة الذاتية والفعلية معا ؛ كدلالته على معاني الحسب والعظمة والسعة والعزة والعلو والرفعة وغير ذلك من صفات الذات، وأيضا دل على صفات الفعل فهو الذي يصفح عن الذنوب، ولا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن، وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث لا تحصى ، وهذا كمال وجمال في الكرم، أما الأكرم فهو المنفرد بكل ما سبق في أنواع الكرم الذاتي والفعلي، فهو سبحانه أكرم الأكرمين له العلو المطلق على خلقه في عظمة الوصف وحسنه، ومن ثم له جلال الشأن في كرمه وهو جمال الكمال وكمال الجمال. والله عز وجل لا كرم يسموا إلى كرمه، ولا إنعام يرقى إلى إنعامه، ولا عطاء يوازي عطاءه، يعطى ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء بسؤال وغير سؤال، وهو يعفو عن الذنوب، ويستر العيوب، ويجازي المؤمنين بفضله، ويمهل المعرضين ويحاسبهم بعدله، فما أكرمه، وما أرحمه .
90- البر
قال تعالى : " إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ " ( الطور :28)
والبر سبحانه هو العَطوف على عبادة ببره ولطفه، فهو أهل البر والعطاء يحسن إلى عباده في الأرض والسماء، كما أن البر U هو الصادق في وعده الذي يتجاوز عن عبده وينصره ويحميه، ويقبل القليل منه وينميه، وهو المحسن إلى عبادِهِ الذي عم بره وإحسانُه جميعَ خلقه، فما منهم من أحد إلا وتكفل الله برزقه .
91- الغفار
قال تعالى : " رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ " (ص :66)
والغفار سبحانه هو الذي يستر الذنوب بفضله ، ويتجاوز عن عبده بعفوه، وطالما أن العبد موحد فذنوبه تحت مشيئة الله وحكمه، فقد يدخله الجنة ابتداء، وقد يطهره من ذنبه، والغفور هو من يغفر الذنوب العظام، والغفار هو من يغفر الذنوب الكثيرة، غفور للكيف في الذنب ، وغفار للكم فيه .
والله عز وجل وضع نظاما دقيقا لملائكته في تدوين الأجر الموضوع على العمل، فهي تسجل ما يدور في منطقة حديث النفس دون وضع ثواب أو عقاب ، وهذا يتطلب استغفارا عاما لمحو خواطر الشر النابعة من هوى النفس، ويتطلب استعاذة لمحو خواطر الشر النابعة من لمة الشيطان، كما أنها تسجل ما يدور في منطقة الكسب مع وضع الثواب والعقاب، وهي تسجل فعل الإنسان المحدد بالزمان والمكان ، ثم تضع الجزاء المناسب بالحسنات والسيئات في مقابل العمل، فإذا تاب العبد من الذنب محيت سيئاته وزالت وغفرت بأثر رجعي، وبدلت السيئات حسنات ، فالله عز وجل غفار كثير المغفرة ، لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا، وكل مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه.
92- الرءوف
قال تعالى : " وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " ( النور :20)
الرءوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين ، فيحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم في توحيد الله وطاعته، وهذا من كمال الرأفة بالصادقين ، وكذلك الرءوف يدل على معنى التعطف على عباده المذنبين، فيفتح لهم باب التوبة ما لم تغرغر النفس ، أو تطلع الشمس من مغربها .
93- الوهاب
قال تعالى : " وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ " ( آل عمران : 8)
والوهاب سبحانه هو الذي يكثر العطاء بلا عوض، ويهب ما يشاء لمن يشاء بلا غرض، ويعطي الحاجة بغير سؤال، ويسبغ على عباده النعم والأفضال، نعمه كامنة في الأنفس وجميع المصنوعات، ظاهرة بادية في سائر المخلوقات، نعم وعطاء وجود وهبات ، تدل على أنه المتوحد في اسمه الوهاب . والله جل شأنه يهب العطاء في الدنيا على سبيل الابتلاء، ويهب العطاء في الآخرة على سبيل الأجر والجزاء، فعطاؤه في الدنيا علقه بمشيئته وابتلائه للناس بحكمته ؛ ليتعلق العبد بربه عند الطلب والرجاء، ويسعد بتوحيده وإيمانه بين الدعاء والقضاء، وهذا أعظم فضل وأكبر هبة وعطاء إذا أدرك العبد حقيقة الابتلاء .
94- الجواد
قال أن رسول الله e قال: " إن الله U جواد يحب الجود" .
والجواد سبحانه هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، الذي ينفق على خلقه بكثرة جوده وكرمه وفضله ومدده، فلا تنفد خزائنه ولا ينقطع سحاؤه ولا يمتنع عطاؤه . وهو سبحانه من فوق عرشه، عليم بموضع جوده فى خلقه ، فلا يعطى إلا بمقتضى عدله وحكمته، وما يحقق مصلحة الشئ وغايته ، وهو الذي يهدي عباده أجمعين إلى جادة الحق المبين، هداهم سبل الشرائع والأحكام وتمييز الحلال من الحرام، وبين لهم أسباب صلاحهم في الدنيا والآخرة ودعاهم إلى عدم إيثار الدنيا على الآخرة ، فله الجود كله، وجود جميع الخلائق في جنب جوده أقل من ذرة في جبال الدنيا ورمالها .
95- السبوح
كان رَسُولَ اللهِ e يَقُولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ "
والسُبّوحُ عز وجل هو الذي له أوصاف الكمال والجمال بلا نقص، وله الأفعال المقدسة عن الشر والسوء، حيث يسْبحُ فيها قلبُ المسبح تذكرا وتفكرا فلا يرى إلا العظمةَ والجلال والكمال والجمال ، ثم يشاهد آثار الأَوْصاف وكمال الأفعال فيزداد تعظيماً لله ، وتبعيدا له من كل سوء .
والسبوح سبحانه هو الذي يسبح بحمده ، وعجز عن وصفه الواصفون ، فسبحان ربك رب العزة عما يصفون .
96- الوارث
قال تعالى : " وَإِنَّا لنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُون " ( الحجر :23)
والوارث سبحانه الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم، ومعلوم أن الخلائق يتعاقبون على الأرض فيرث المتأخر منهم المتقدم، ويستمر التوارث حتى تنقطع الدنيا، ولا يبقى إلا الوارث الذى له الملك ، فيرث جميع الأشياء بعد فناء أهلها. والوارث أيضا هو الذي كتب الغلبة للمؤمنين ولو بعد حين ، وأورث المؤمنين مساكن الكافرين في الجنة ، فجعل لهم البقاء مخلدين فيها .
97- الرب
قال تعالى : " سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ " (يس :85)
والرب سبحانه هو المتكفل بخلق الموجودات وإنشائها والقائم علي هدايتها وإصلاحها وهو الذي نظم حياتها ودبر أمرها ؛ فالرب سبحانه هو المتكفل بالخلائق أجمعين إيجادا وإمدادا ورعاية وقياما على كل نفس بما كسبت .
وحقيقة معنى الربوبية في القرآن تقوم على ركنين اثنين : الأول إفراد الله بتخليق الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم حيث أعطى كل شيء خلقه وكمال وجوده، والثاني إفراد الله بتدبير الأمر في خلقه كهدايتهم والقيام على شؤونهم وتصريف أحوالهم والعناية بهم، فهو سبحانه الذي توكل بالخلائق أجمعين .
98- الأعلى
قال تعالى : " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى " ( الأعلى :1)
الأعلى سبحانه هو المتصف بعلو الشأن وهو أحد معاني العلو، فالله U تعالى عن جميع النقائص والعيوب المنافية لإلهيته وربوبيته، وتعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي والنصير، وتعالى في عظمته أن يشفع أحد عنده دون إذنه، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد، وتعالى في كمال حياته وقيوميته عن السنة والنوم، وتعالى في قدرته وحكمته عن العبث والظلم، تعالي في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل فله المثل الأعلى ، وكل كمال لبعض الموجودات ، فالرب الخالق الصمد القيوم هو أولى به، وكل نقص أو عيب يجب أن ينزه عنه بعض المخلوقات المحدثة فالرب الخالق القدوس السلام هو أولى أن ينزه عنه.
99- الإله
قال تعالى : " قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ " ( الأنبياء : 108)
والإله سبحانه هو المعبود بحق، المستحق للعبادة وحده دون غيره، وقد قامت كلمة التوحيد في الإسلام على معنى الألوهية، فالإله هو المستحق للعبادة المألوه الذي تعظمه القلوب وتخضع له وتعبده عن محبة وتعظيم وطاعة وتسليم .
أما الرب فمعناه يعود إلى الانفراد بالخلق والتدبير ، ولذلك كان التوحيد الذي أمر الله U به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية بأن يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئا فيكون الدين كله لله، ولا يخاف العبد إلا الله، ولا يدعو أحدا إلا الله ويكون الله أحب إليه من كل شيء؛ فالموحدون يحبون لله، ويبغضون لله، ويعبدون الله ويتوكلون عليه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق