مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

الإيمان قول ، وعمل ..

يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ..

يزيد بالتفكر ، وينقص بالغفلة ..

يزيد بالتصديق والامتثال ، وينقص بالشك والإعراض ..

هيا نؤمن ساعة .. مدونة تزيدك إيمانا ..

بعلم نافع تتعلمه .. بعبرة تعتبر بها .. بسنة تمتثلها .. بآية تتدبرها .. بشبهة تمحوها ..

صفحاتها : روضة من رياض الجنة

تأنس فيها بذكر الله .. وترضى فيها بشرعه .. وتتدبر أمره ونهيه ..

اغتنم خيرها بالعمل بما فيها ، والدعوة إليه .

كان من دعاء ابن مسعود رضى الله عنه :

" اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها " .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


السبت، 21 مايو 2011

المطلب الواحد والعشرون : كيف ظهرت الأسماء المشهورة


[ المطلب الواحد والعشرون]
كيف ظهرت الأسماء المشهورة منذ قرون

·      روايات حديث أبى هريرة فى إحصاء الأسماء .

·      الرواة عن أبى الزناد لم يزيدوا فى النص سرد الأسماء .

·      الوليد بن مسلم هو من أدرج الأسماء المشهورة .

·      اضطراب الوليد بن مسلم فى جمعه للأسماء المشهورة .

·      كلام العلماء المحققين عن رواية الوليد ونقدها .

·      كلام ابن الوزير فى وصف تدليس الوليد بن مسلم .

·      تناقض الوليد بن مسلم فى جمعه للأسماء الحسنى .

·      عبد الملك يفعل كما فعل الوليد ولم يشتهر جمعه .

·      عبد العزيز بن الحصين يجمع الأسماء ولم يشتهر جمعه .




كيف ظهرت الأسماء المشهورة منذ قرون

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
    فى هذا المطلب نتناول بإذن الله الحديث عن كيفية ظهور الأسماء الحسنى المشهورة التى يرددها المسلمون منذ قرون ، وذلك من خلال المحاور التالية :

روايات حديث أبى هريرة فى إحصاء الأسماء

    قال رسول الله r : " إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة " ( البخارى ومسلم )
   هذا الحديث لم يسمعه من رسول الله r إلا صحابى واحد هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر ( ت: 57 ه) رضى الله عنه ، وحتى سنة سبع وخمسين من الهجرة ، وهى السنة التى توفى فيها أبو هريرة ، لم تظهر الأسماء المشهورة بسردها المعروف الآن ؛ لأن الحديث ليست فيه تلك الزيادة ، وقد تناقله الرواة عن أبى هريرة بنفس النص دون زيادة ، كما سمعه من رسول الله r

    ولم يسمع من أبى هريرة رضى الله عنه إلا خمسة رواة فقط ، وجميعهم حدثوا عنه دون ذكر الأسماء المشهورة ، وهذا يعنى أنه حتى سنة اثنتين وثلاثين بعد المائة ، وهى السنة التى توفى فيها آخر هؤلاء الخمسة همام بن منبه (ت:132ه) لم تكن الأسماء المشهورة معلومة لدى السلف .

    وأما من روى عن هؤلاء الخمسة ، فلم يذكر أحد منهم أيضا فى جميع الروايات الثابتة عنه ، تلك الأسماء التى يحفظها الناس فى عصرنا ، مما يعنى أنها لم تكن معروفة عند أحد من السلف حتى منتصف القرن الثانى الهجرى .

الرواة عن أبى الزناد لم يزيدوا فى النص سرد الأسماء

    وينبغى أن ندقق هنا فى رواية أبى الزناد عبد الله بن ذكوان (ت:130 ه) عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبى هريرة رضى الله عنه .
   
    فقد روى الحديث عن أبى الزناد أربعة من الرواة ، ولم يثبت فى رواية واحدة عن واحد من هؤلاء الأربعة ، أنه نقل زيادة سرد الأسماء المشهورة ، مما يعنى أن السلف الصالح لم يكونوا يعرفون شيئا عن تلك الأسماء ، لمدة قرنين من الزمان ، بعد هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام .
    وعليه فلا عبرة بما أدلى به كثير من علماء العصر إلى وسائل الإعلام بتصريحات مؤسفة عن حقيقة الأسماء المشتهرة ، فمن قائل : أن أبى هريرة هو الذى أدرجها فى الحديث ، ومن قائل : إنها من المعلوم من الدين بالضرورة وأن الرسول  r هو الذى نص عليها اسما اسما ، ومن قائل أنها وردت جميعا فى القرآن وفى صحيحى البخارى ومسلم ، وغير ذلك .

الوليد بن مسلم هو من أدرج الأسماء المشهورة

    روى الحديث عن أبى الزناد أربعة من الرواة منهم شعيب بن أبى حمزة (ت:162ه) ، روى عنه فى نهاية عصر السلف الصالح راو يقال له : الوليد بن مسلم (ت:195) ، وقد حاول أن يحصى أسماء الله باجتهاده ، إما إحصاء من القرآن والسنة ، وإما نقلا عن بعض العلماء فى عصره ، فجمع ثمانية وتسعين اسما بالإضافة إلى اسم الجلالة ، وهى :

( الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ

المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل

 السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ

المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد

الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم

الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي

المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني

المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور )

    وكان الوليد كثيرا ما يحدث الناس بحديث أبى هريرة ، ثم يتبعه فى كثير من الأحيان ، بذكر هذه الأسماء .
    ولم يعرف هذه الأسماء إلا بعض الرواة ، ولم تعلم على مستوى العامة فى الأمة الإسلامية إلا فى نهاية القرن الثالث الهجرى ، بعد أن دونها الإمام الترمذى (ت:279ه) فى سننه مدرجة من حديث أبى هريرة ، واشتهرت مع اشتهار كتابه ( السنن) ؛ فالإمام الترمذى كان هو السبب المباشر فى نقلها للأمة الإسلامية وتعريفهم بها .

    فلما ألصقت هذه الأسماء بالحديث النبوى فى فضل إحصاء التسعة وتسعين اسما ، ظن أغلب الناس من العامة والخاصة أنها نص من كلام النبى r فحفظوها وعظموها كأنها من الوحى .
    مع أن الإمام الترمذى لما دون هذه الأسماء فى سننه نبه على غرابتها ، وهو يقصد بغرابتها ضعفها وانعدام ثبوتها ، كما ذكر الألبانى رحمه الله ، إلا أن التساهل فى نقل الحديث كان سببا فى تقديس هذه الأسماء كتقديس القرآن .

اضطراب الوليد فى جمعه للأسماء المشهورة

    من الأمور العجيبة أن محاولات الوليد التى نقلت عنه فى تفسيره لحديث التسعة وتسعين كانت محاولات عديدة ومضطربة ، فالأسماء التى كان يذكرها للناس ، لم تكن واحدة فى كل مرة ، ولم تكن متطابقة قط ، كما يظهر ذلك فى الروايات التى رواها عنه الطبرانى ، وابن حبان ، وابن خزيمة ، وابن مَنده ، ولم يشتهر منها إلا رواية الترمذى .

    ومن ثم فإن الأسماء المشهورة ليست وحيا مقدسا كالقرآن وصحيح السنة ، وإنما هى جهد بشرى مطالب فيه صاحبه بذكر النص التوقيفى على كل اسم منها ، وقد كان الوليد يغير ويبدل فيها ليصل إلى أفضل إحصاء ممكن .

    وليس مرجع الخطأ فى تقديس الناس لهذه الأسماء يلام فيه الوليد أو الإمام الترمذى، وإنما الخطأ يكمن فى أن عامة الناس تعودوا عل ترديد أسماء لايسألون عن أدلتها من القرآن أو السنة
 
كلام العلماء المحققين عن رواية الوليد ونقدها

    قال ابن حزم (ت: 456ه) : " وجاءت أحاديث فى إحصاء التسعة وتسعين اسما مضطربة ، لا يصح منها شئ أصلا " .
    وقال ابن تيمية رحمه الله (ت:738ه) عن رواية الترمذى وابن ماجة : " وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبى  r " .
    وقال الحافظ بن حجر ( ت:852ه) : " والتحقيق أن سردها إدراج من بعض الرواة ".

كلام ابن الوزير فى وصف تدليس الوليد بن مسلم

      قال ابن الوزير اليمانى فى وصف تدليس الوليد :
    "الوليد مدلس مكثر من التدليس حتى عن الكذابين، ويعانى تدليس التسوية فلا ينفع قوله حدثنا ولا سمعت .

    لأن معنى تدليس التسوية أنه قد سمع من شيخه شعيب، ثم أسقط شيخ شعيب الذي بينه وبين أبي الزناد، فيحتمل أن يكون في الإسناد ساقط ضعيف بل كذاب، فكيف يحسن الحديث مع هذا، مع أنه قد رواه الثقات والحفاظ عن أبي الزناد بغير ذكر الأسماء .
   
وحديث الأسماء المشهورة قد رواه البخاري ومسلم والترمذي عن ابن عيينة، عن أبي الزناد بغير ذكر الأسماء.

    ورواه البخاري والنسائي من حديث شعيب بغير ذكرها.
    ورواه البخاري عن أبي اليمان الحكم بن نافع، والنسائي عن علي بن عياش كلاهما عن شعيب بغير ذكر الأسماء."

تناقض الوليد بن مسلم فى جمعه للأسماء الحسنى

    إنه لمن العجب أن نرى فى الأسماء المشهورة أن الوليد نسب لله عز وجل أسماء لا دليل عليها فى الكتاب والسنة ، فى حين ترك أسماء قد ثبتت بنصها فى ذات الموضع الذى أخذ منه بعضها ، وترك البعض .
1.   أدرج الوليد فى الأسماء المشهورة اسم الله (المقتدر) فى قول الله تعالى : " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ " (القمر : 54 ، 55) وترك اسم (المليك) .
2.   اقترن اسم (الحق) باسم ( المبين ) فى قول الله تعالى : " يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ "  ( النور : 25) فأخذ الوليد اسم الله ( الحق ) وترك الآخر .
3.  وضع الوليد فى الأسماء المشهورة اسم الله ( العليم ) ، وترك ( الخلاق ) وقد ورد معه فى نص واحد : " إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ " ( الحجر : 86)
4.    أدرج الوليد اسم الله (المجيب) وترك اسم ( القريب) وقد ورد معه فى نفس النص : " إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ " ( هود : 61)
5.  وأيضا ورد فى الأسماء المشهورة اسم الله ( الصمد) ، وقد ورد مع اسمه ( الأحد) فى قوله تعالى : " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ " ( الإخلاص : 1 ،2)  فأخذ (الصمد) وترك ( الأحد) .
والأمثلة فى ذلك كثيرة .

عبد الملك يفعل كما فعل الوليد ولم يشتهر جمعه

    لقد حاول بعض رواة الحديث أن يصنع ما صنعه الوليد ويجمع الأسماء الحسنى ، فكان منهم عبد الملك بن محمد الصنعانى ، الذى كان ينفرد بالموضوعات ، ورواية الأحاديث المكذوبة ، ومرتبته عند علماء الجرح والتعديل : أنه لا يجوز الاحتجاج بروايته .

    وقد جمع ما يقارب المائة وأدرجها  فى حديث أبى هريرة ، ونقلها ابن ماجة فى سننه  وهى :
" الله الواحد الصمد الأول الآخر الظاهر الباطن الخالق البارئ المصور الملك الحق السلام المؤمن

المهيمن العزيز الجبار المتكبر الرحمن الرحيم اللطيف الخبير السميع البصير العليم العظيم البار

المتعال الجليل الجميل الحي القيوم القادر القاهر العلي الحكيم القريب المجيب الغني الوهاب

الودود الشكور الماجد الواجد الوالي الراشد العفو الغفور الحليم الكريم التواب الرب المجيد الولي

الشهيد المبين البرهان الرءوف الرحيم المبدئ المعيد الباعث الوارث القوي الشديد الضار النافع

الباقي الواقي الخافض الرافع القابض الباسط المعز المذل المقسط الرزاق ذو القوة المتين القائم

الدائم الحافظ الوكيل الفاطر السامع المعطي المحي المميت المانع الجامع الهادي الكافي الأبد

العالم الصادق النور المنير التام القديم الوتر الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يكن له كفواً أحد "


    وعلى الرغم من كون هذا الإحصاء تضمن أسماء ثابتة بنصها فى القرآن والسنة ، لم يذكرها الوليد بن المسلم ، كالقريب المبين الأحد الجميل الرب الوتر وغيرها ، بل ما جمعه عبد الملك من الأسماء الصحيحة يعادل الأسماء الصحيحة التى وردت فى جمع الوليد ، إلا أنها لن تنل أى حظ من الاشتهار بين عامة مسلمين .



عبد العزيز بن الحصين يجمع الأسماء ولم يشتهر جمعه
   
    وعلى منوال ما فعله الوليد بن مسلم ومحمد بن عبد الملك الصنعانى ، حاول مجتهد ثالث اسمه عبد العزيز بن الحصين ، وهو عند علماء الحديث ممن لا يجوز الاحتجاج به بحال من الأحوال ؛ لأنه ضعيف متروك .
    ولقد حاول عبد العزيز بن الحصين أن يجمع تسعة وتسعين اسما ويدرجها هو فى فضل الإحصاء ، وقد رواها عنه الحاكم مدرجة فى المستدرك ، وهى :
" الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق

الباريء المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان

البديع الودود الغفور الشكور المجيد المبدئ المعيد النور الأول الآخر الظاهر الباطن الغفار الوهاب

القادر الأحد الصمد الكافي الباقي الوكيل المجيد المغيث الدائم المتعال ذو الجلال والإكرام المولى

النصير الحق المبين الباعث المجيب المحيي المميت الجميل الصادق الحفيظ الكبير القريب الرقيب

الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرءوف

المدبر المالك القدير الهادي الشاكر الرفيع الشهيد الواحد ذو الطول ذو المعارج ذو الفضل الخلاق

الكفيل الجليل الكريم "

    وعلى الرغم من كون الأسماء التى أحصاها عبد العزيز بن الحصين تضمنت من أسماء الله الحسنى الثابتة بنصها فى القرآن والسنة ستة عشر اسما صحيحا لم يذكرها الوليد فى الأسماء المشهورة مثل : الرب المنان الأكرم القدير الشاكر وغيرها ، وكذلك تضمنت ما لم يذكره عبد الملك الصنعانى ، إلا أنها لم تنل حظا يذكر من الاشتهار بين عامة المسلمين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق