مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

الإيمان قول ، وعمل ..

يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية ..

يزيد بالتفكر ، وينقص بالغفلة ..

يزيد بالتصديق والامتثال ، وينقص بالشك والإعراض ..

هيا نؤمن ساعة .. مدونة تزيدك إيمانا ..

بعلم نافع تتعلمه .. بعبرة تعتبر بها .. بسنة تمتثلها .. بآية تتدبرها .. بشبهة تمحوها ..

صفحاتها : روضة من رياض الجنة

تأنس فيها بذكر الله .. وترضى فيها بشرعه .. وتتدبر أمره ونهيه ..

اغتنم خيرها بالعمل بما فيها ، والدعوة إليه .

كان من دعاء ابن مسعود رضى الله عنه :

" اللهم زدنا إيمانا ويقينا وفقها " .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


الجمعة، 20 مايو 2011

المطلب الرابع والعشرون: حكم الاشتقاق


[ المطلب الرابع والعشرون]
هل يجوز اشتقاق الأسماء من الصفات والأفعال ؟

·      الفرق بين الاسم والوصف والفعل عند اللغويين  .

·      الفرق بين الاسم فى حق الله وفى حق العباد .

·      الفرق بين الفعل ووصف الذات ووصف الفعل.

·      التوقيف على الاسم توقيف على الوصف والفعل .

·      التوقيف على الوصف والفعل ليس توقيفا على الاسم .

·      القائلون بالاشتقاق لايقصدون إلا الجانب اللغوى .

·      دورنا تجاه الأسماء الإحصاء وليس الاشتقاق والإنشاء .

·      حقيقة ما ورد عن البعض من الأسماء غير التوقيفية .

·      موقف المسلم من الأسماء المشهورة التى لم تثبت .

·      هل أسماء الله التوقيفية قطعية الثبوت أم ظنية .


   
      
هل يجوز اشتقاق الأسماء من الصفات والأفعال ؟

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
    فى هذا المطلب بإذن الله نتناول الحديث عن قضية الاشتقاق ، وهل يجوز أن نشتق بأنفسنا أسماء الله الحسنى من الصفات والأفعال ، وذلك من خلال المحاور التالية ؟ 

الفرق بين الاسم والوصف والفعل عند اللغويين 

الاسم فى اصطلاح أهل اللغة : هو ما يقابل الفعل والحرف .

والدليل على انحصار الكلام العربى فى الأنواع الثلاثة : الاسم والفعل والحرف : الاستقراء .

الاسم فى الاصطلاح العام : هو الدال بالوضع على موجود فى العيان إن كان محسوسا ، وفى الأذهان إن كان معقولا ، من غير تعرض للزمان ، ومدلوله هو المسمى . وعلاماته هى : 

الألف واللام ، والتنوين ، والحديث عنه والإسناد إليه ، ودخول ياء النداء عليه ، ودخول حرف الجر عليه ، وهو يشمل الجر : بالحرف ، والإضافة ، والتبعية . 

الفعل فى تعريف اللغويين : هو كل لفظ دل على معنى مقترن بزمان . 

وأنواعه : ثلاثة : ماض ، وأمر ، ومضارع .

الحرف فى اصطلاح أهل اللغة : ما جاء لمعنى فى غيره ، ويخلو من علامات الأسماء والأفعال .

الفرق بين الاسم فى حق الله وفى حق العباد  

    الاسم فى حق الله هو ما دل على الذات والوصف معا ، فالأسماء فى حق الله لابد أن تكون علمية ووصفية معا ، فأسماء الله أعلام لقوله تعالى : " قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى "(الإسراء :110) كلها تدل على ذات واحدة ومسمى واحد ، وهى أيضا أوصاف لقوله تعالى : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا" (الأعراف : 180) وكلها تدل على معانى الكمال والجلال . 

    والوصف بها لا ينافى العلمية بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافى علميتهم ، فالاسم فى حق العباد فهو ما كان علما على الذات ، سواء تضمن الوصف أم لم يتضمنه .

    وأغلب أسماء الله الحسنى – المطلقة والمقيدة – إما يرد بصيغة اسم الفاعل ، وإما يرد بصيغة المبالغة من اسم الفاعل مثل (فعال ، ومفعال ، وفعول ، وفعيل ، وفعل ) ، أو يرد بصيغة أفعل التفضيل .

    ومثال ما ورد بصيغة اسم الفاعل من الأسماء المطلقة : (المهيمن الخالق البارئ المصور الظاره الباطن الواحد الواسع المبين المجيب المقدم المؤخر المسعر الشاكر المحسن المعطى) .

ومن الأسماء المقيدة التى لا يجوز إطلاقها على الله إلا بالإضافة أو القرينة التى وردت معها فى النص مثل : (البالغ الجامع الحاسب الغافر القابل الفاطر الفالق المبتلى المبرم المبدى المتم) .

    ومن أمثلة أسماء الله الحسنى المطلقة مما ورد بصيغ المبالغة من اسم الفاعل : (الرحيم الملك العزيز الجبار الغفور الودود الحيي الستير الكريم الحكيم الديان المنان الحميد الشهيد ). 

    ومن أسماء الله المقيدة : (البديع الشديد العلام الفعال الكفيل الطبيب القيام) .

    ومن أمثلة أسماء الله الحسنى المطلقة مما ورد بصيغة أفعل التفضيل : (الأعلى والأكرم) .

    ومن الأسماء المقيدة : (الأرحم الأحكم الأعلى الأبقى الشد الأحق الأولى الأعلم الأغير الأصبر) وهناك بعض الأسماء من الصفة المشبهة نحو : (الرب الرحمن الأول الآخر) .

الفرق بين الفعل ووصف الذات ووصف الفعل 

    الوصف فى حق الله عز وجل هو : كل نعت كمال أزلى ابدى ، ثابت فى النقل ، قائم بذات الله، لا يقوم بنفسه ، ولا ينفصل عن موصوفه . وهو فى القرآن والسنة نوعان : 

النوع الأول : الوصف الذاتى : وهو كل وصف كمال أزلى أبدى ، ثابت فى النقل ، قائم بذات الله ، ولا يتعلق بمشيئته ، ولا يرتبط بزمان 

    نحو : وصف ( العلم ) فى قوله تعالى : " أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ " ( النساء : 166)  ووصف (العزة) فى قوله تعالى : " سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ " (الصافات :180) ، وصفة ( اليدان) فى قوله تعالى : "بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ " ( المائدة :64)

النوع الثانى : وصف الفعل : وهو كل وصف أزلى أبدى يتعلق بمشيئة الله ، إن شاء فعله ، وإن شاء لم يفعله ، ولا يرتبط بزمان معين ، فإن ارتبط بزمان فهو الفعل . نحو وصف (التقدير) فى قوله تعالى : " وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا " (الفرقان : 2) فنقول : (التقدير) من أوصاف الله الفعلية الأزلية الأبدية ، ويقابله وصف (القدرة) من أوصاف الذات التى لا تتعلق بالمشيئة . 

    ومثله (التكليم) فى قوله تعالى : " وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا "(النساء :164) فنقول : (التكليم) وصف فعله ، وهو وصف أزلى أبدى يتعلق بالمشيئة والقدرة ، و(الكلام) وصف ذاته لا يتعلق بالمشيئة والقدرة . 

تعريف الفعل الإلهى : فعل الله عز وجل هو كل وصف فعل تعلق بالمشيئة ، وارتبط بالزمان والمكان ، نحو : الفعل ( كلم ) فى قوله الله تعالى : " وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا "(النساء :164) حيث تعلق بالمشيئة ، وتعلق بالزمان والمكان فى قوله تعالى :" وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ " (الأعراف : 143)  وهو فى أصله وصف أزلى أبدى من أوصاف الله الفعلية ، هو وصف (التكليم) .

    ولذلك فإن التوقيف بالنص على الفعل ، توقيف على وصف الفعل ، والتوقيف على وصف الفعل توقيف على إمكانية الفعل . 

    فالفعل (تجلى) دل على أن التجلى وصف فعل لله عز وجل ، وهو وصف أزلى أبدى متعلق بمشيئته ، ولو لم يرد فى الوحى إلا وصف (التجلى) ؛ لأنه يدل على إمكانية تجليه سبحانه لبعض خلقه ، وذلك إذا تعلق الوصف بزمان أو مكان ، على مقتضى مشيته وحكمته ، فلا يراه العباد وقت وجودهم فى الدنيا ، وإنما يراه المؤمنون فى الآخرة وقت وجودهم فى أرض المحشر والجنة إن شاء الله . 
اللهم اجعلنا منهم .

التوقيف على الاسم توقيف على الوصف والفعل 

    إذا ثبت الاسم توقيفا فى كتاب الله تعالى وسنة رسوله r فإنه يدل على ما تضمنه من الوصف ، سواء كان ذاتيا أو فعليا ، . فنأخذ من الاسم التوقيفى الذى دل على وصف متعد : ثبوت ذلك الاسم لله ، وثبوت الصفة التى تضمنها ، وثبوت الفعل لله ، وثبوت أثر الفعل فى المخلوقات .

مثال : اسم (الخالق) : ثبت توقيفا فى الكتاب و السنة ، فهو من أسماء الله الحسنى ، ودل على صفة (الخلق) المتعلقة بمشئيته أزلا وابدا ، ودل أيضا على إثبات فعل الخلق لله ، وأنه سبحانه يخلق ما يشاء ، ودل على إمكانية اثر الفعل ، وهو ظهور المخلوقات وتجدد حدوثها متى  شاء سبحانه ، وكيف شاء .

    ونأخذ من الاسم التوقيفى الذى دل على وصف ذاتى ثبوت ذلك الاسم لله ، وثبوت الصفة التى تضمنتها . مثال : اسم (الحى) فإنه يتضمن إثبات صفة (الحياة) لله . 

    وذكر ابن القيم أن الاسم يجوز أن يشتق منه المصدر والفعل ، فيخبر عنه فعلا ومصدرا ، نحو (السميع) يطلق منه (السمع) ، ويخبر عنه بالفعل من ذلك نحو : " قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا " (المجادلة :1) إن كان متعديا .

التوقيف على الوصف والفعل ليس توقيفا على الاسم 

    إذا ورد الوصف أو الفعل توقيفا فى حق الله عز وجل ، فلا يجوز لنا اشتقاق الاسم منه ، وإن دل العقل على أنه لايوهم نقصا ؛ لأن الأسماء الحسنى لاتثبت إلا بالدليل النصى التوقيفى ، وليس بالاشتقاق العقلى عن طريق القياس أو الاشتقاق من فعل ونحوه ، ولم يخالف فى ذلك إلا أهل الضلال من المعتزلة والكرامية ، ومن سلك سبيلهم من اتباع الجهمية .

    قال تعالى : " مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ . ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ . ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ . ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ " (عبس :19 - 22) تضمنت الآيات عدة أفعال للرب تعالى وهى : 

    خلق ، وقدر ، ويسر ، وأمات ، وأقبر، وشاء ، وأنشر . وكلها تدل على ثبوت أوصاف : الخلق، والتقدير ، والتيسير ، والإماتة ، والإقبار ، والمشيئة ، والإنشار ؛ فنؤمن بها كلها على أنها أوصاف توقيفية ، ولكن لايجوز أن نسمى الله اعتمادا على الفعل فقط ، فلايجوز تسمية الله المقدر ، ولكن يجوز تسميته (القادر والقدير والمقتدر) لأنه هو الذى سمى نفسه بذلك ، ولا يجوز تسميته بالميسر ، ولا بالمميت ، ولا بالمقبر ، لعدم ورود التوقيف بذلك .

    وعلى ذلك لا يجوز تسمية الله : (النافع الضار الخافض المانع الواجد الماجد الباقى الوالى الباعث الجليل المعز المذل المقسط العدل المبدئ المعيد المحصى الرشيد الصبور) ؛ لأنها أسماء لم يرد بها التوقيف ، ولأن التوقيف على الفعل والوصف ليس توقيفا على الاسم .

القائلون بالاشتقاق لايقصدون إلا الجانب اللغوى 

    قال ابن القيم : " وكذلك فإن الأسماء مشتقة من الصفات ؛ إذ الصفات مصادر الأسماء الحسنى " توهم كثيرون أن ابن القيم يعنى بذلك أنه يجوز اجتهاد الشخص فى اشتقاق الأسماء الحسنى من الصفات والأفعال ، وزعموا أن هذا لا ينافى التوقيف ، وأن تلك عقيدة السلف الصالح، وهذا خطأ كبير منهم ؛ فلم ينتبهوا إلى أن ابن القيم أراد أن الأسماء أعلام وأوصاف  ، والباعث على ذلك هو الرد على المبتدعة المعتزلة ، واستقباح مذهبهم فى إثبات الأسماء ونفى دلالتها على الصفات ، فقالوا هو : العليم بلا علم ، والسميع بلا سمع . ولذلك بين ابن القيم مراده بوضوح ، فقال : " ثم الجواب عن الجميع أننا لانعنى بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها فى اللفظ والمعنى ، لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله " .   

    وتسمية النحاة المصدر والمشتق منه : أصلا وفرعا ، ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر ، وإنما هو باعتبار أن أحدهما متضمن للآخر وزيادة . 

دورنا تجاه الأسماء الإحصاء وليس الاشتقاق والإنشاء 

    ولمزيد من البيان فى قضية الأسماء ، وهل هى مشتقة من الصفات ، أم الصفات مشتقة من الأسماء ؟ لابد أن نفرق بين عدة جوانب أساسية توضح المسألة : 

الجانب الأول : بالنظر من جهة التكليف والحكم الشرعى ، فإنه لا يجوز أن تُشتق الأسماء من الصفات والأفعال ، حتى لو كانت الصفة مطلقة فى الدلالة على الكمال ، أو مقيدة به فى حال دون حال ، فلا نشتق من وصف (الإرادة) اسم المريد ، ولا من وصف (الاستواء) اسم المستوى . وإنما الصفات والأفعال هى المشتقة من الأسماء ، فنشتق من (السميع) صفة (السمع) ، ومن (البصير) صفة ( البصر) . 

الجانب الثانى : بالنظر إلى الجانب اللغوى يصح القول بأن الأسماء الحسنى مشتقة من الصفات والأفعال ، وأنها ملاقية لمصادرها فى اللفظ والمعنى . 

الجانب الثالث : بالنظر إلى جانب التوحيد والعقيدة ، فإن الأسماء والصفات فى حقيقتها أزلية أبدية بأزلية الذات الإلهية ؛ لأنه تعالى ليس كمثله شئ .

    ومن المعلوم أن الإنسان عند أول خلقه وتكوينه يكون ناقصا فى أوصافه وأفعاله ، ثم يكتسب ما يليق به من أنواع الكمال ، كالشرف والعلم والقوة وما يحمد عليه من جميل الصفات والأفعال ، فالعبد أسماؤه وصفاته عن أفعاله ، فيحدث له اسم العالم بعد حدوث العلم فيه ، ويتحرى الصدق فيكون صادقا ، ويحمده الناس فيكون محمودا . 

أما رب العزة والجلال فأفعاله عن أسمائه وأوصافه ، وهى مشتقة منها ، كما فى الحديث : " قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمى اسما " ( السلسلة الصحيحة ) 

والحديث دليل واضح على أن أفعال الله صادرة عن أسمائه وأوصافه وكماله ، كَمُل ففعل ، بعكس المخلوقين فأسمائهم وأوصافهم من أفعالهم ، فعلوا فكملوا الكمال اللائق بهم .

    ومن ثم فإن دورنا تجاه الأسماء الإحصاء ، ثم الحفظ والدعاء ، وليس الاشتقاق والإنشاء ، والاشتقاق هو : استحداث اسم لله ، ليس أزليا ولا أبديا .

حقيقة ما ورد عند بعض العلماء من الأسماء غير التوقيفية

    بعض الدعاة المحبين لمنهج السلف وطريقة المحدثين ، والذين ينقلون أغلب كلامهم فى العقيدة عن شيخ الاسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم دون تحقيق ، واعتبروا كل ما ورد فى كلامهم من الأسماء أمرا مسلما لا يمكن تتبعه بالنظر والتعقيب ، وأن من نقل عنهما فى أى مرحلة من مراحل حياتهما فهو موفق مصيب .

     بل أدى ذلك المنحى ببعضهم أن يبتدع بدعة جديدة فى قضية الأسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، حيث زعم أنه يدين لله بأن الأسماء الحسنى توقيفية على قول بعض سلف الأمة ، ومنهم ابن تيمية وابن قيم الجوزية . وزعم أن العقيدة الحق فى أسماء الله تعالى هو أن نثبت ما أثبته علماء السلف من الأسماء المشتقة ،

وأنه يجوز لسفيان بن عيينة، وأبى زيد اللغوى ، وجعفر الصادق ، والوليد بن مسلم الموصوف بتدليس التسوية ، وعبد الملك الصنعانى الذى ينفرد بالموضوعات ، وعبد العزيز بن حصين الذى لا يجوز الأخذ بحديثه ، وابن تيمية وتلميذه ابن القيم نظرا لاشتهارهما ، يجوز لهؤلاء أن يشتقوا لله أسماء من الأفعال التى يرون فيها الكمال ، فجعلوا من أسماء الله ( الضار النافع المبدئ المعيد المانع الخافض المعز المذل المميت الصبور ) وهو وهم منهم ، ولم ينتبهوا إلى ما أكده ابن تيمية وابن القيم فى أصولهما ؛ إذ يؤكدان فى غير موضع على أن الأسماء الحسنى توقيفية على النص ، وأنه لا يجوز أن نسمى الله بما لم يسم به نفسه .

    وعلى الرغم من كون تراث ابن تيمية وابن القيم ، يعد مرجعاأساسيا لكل باحث عن منهج السلف ، إلا أنه لابد أن يتقيد أولا بأصولهما فى اعتقاد السلف ، ثم إن وجد فى بعض كلامهما شيئا يختلف ، تلمس لهما الحجة والعذر ، لأنهما بشر يجوز على اجتهادهما ما يجوز على غيرهما ، ثم لأن من المسلمات عند هذين الحبرين أن أصول العقيدة السلفية مبنية على الأدلة النقلية ، وقد ذكرنا فى أنواع الدلالات لازم القول ، هل هو حجة أو قول ؟ فليراجع .

    ولو نقل عنهما مثل ذلك فإن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المقام : على أى دليل استند الحبران إلى تسمية الله ( الضار النافع المعز المذل ) وغير ذلك وهى لم ترد إلا أفعالا ؟ 

وهل كل منهما يجوّز أن يشتق لله عز وجل اسما من كل فعل ؟ وكيف يكون ذلك وقد تقدم توبيخهما لمن فعل ذلك ؟ أما عن العلة التى يمكن تلمسها لذكرهما بعض الأسماء التى لا دليل عليها ، فيمكن القول أن كل عالم يمر عبر حياته بمراحل علمية متعددة ، فلم يولد ابن تيمية وهو يكتب منهاج السنة النبوية ، ولم يولد ابن القيم ومعه شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ومن ثم لا يستطيع أى باحث أن يحدد متى ذكر ابن تيمية وابن القيم فى كلامهما أن (الضار النافع المعز المذل) من الأسماء الحسنى ، هل كان ذلك فى أول حياتهما أم فى آخرها .

 موقف المسلم من الأسماء المشهورة التى لم تثبت 

    موقف المسلم من الأسماء المشهورة التى لم تثبت ، ولا دليل عليها من كتاب ولا سنة ، هو موقفه الذى أمر الله عز وجل به ، فالمسلم يقبل ما ورد عن الله عز وجل فى أسمائه ، وقام عليه الدليل ويؤمن بها ، ويرد ما لم يرد فى كتاب الله أو فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    ونعذر من سبق وسمى الله بها ظنا منه أنها من كلام النبى صلى الله عليه وسلم ونوقر علماءنا الذين هم ورثة الأنبياء ، ولا نظن أن أحدا منهم يجيز لنفسه تسمية الله بما لم يسم به نفسه ، أو أن أحدا منهم يتجاوز فى ذلك القرآن والحديث ، فهم الذين جاهدوا المخالفين المبتدعين ، وذموا بدعتهم ؛ لأنهم نفوا دلالة أسماء الله على أوصافه ، فكيف نعتقد فى أهل السبق والفضل أنهم تمسكوا باسم لا دليل عليه ، وردوا أسماء الله التى ثبتت بنص القرآن والسنة ؟
هل أسماء الله الحسنى التوقيفية قطعية الثبوت أم ظنية ؟

    بخصوص مسألة القطعى والظنى فى الأمور الاعتقادية ؛ فإن المعروف من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يتلقون نصوص القرآن وما ثبت فى السنة بالتصديق والتسليم ، ويقابلونها بالخضوع والحب والتعظيم ، لا يفرقون فيها بين متواتر وآحاد ، بل جميع ما صح وثبت عن رسول الله r وحى من الله عز وجل إلى سائر العباد ، لابد لهم أن يصدقوا خبره بشرط اليقين ، ولابد من تنفيذ أمره بكمال الانقياد .

    ولو قلنا كما قال البعض بأن أحاديث الآحاد لا تدل على اليقين فى أمور الاعتقاد ، فيلزمهم رد كل ما جاء فى كتب السنة إلا قليلا من متواتر الإسناد ، وهذا فيه إبطال السنة كأساس متين من أسس الإسلام .

    ولا يدعى أحد بأن اجتهاده فى أسماء الله عز وجل أو غيرها ملزم لجميع المسلمين ، وان من لم يأخذ به فقد عصى الله رب العالمين ، ولكن الملزم لكل المسلمين الصادقين أنهم إذا علموا الأسماء المذكورة الثابتة بالدليل النصى الصحيح ؛ لزمه أن يؤمن بها ، ولا يسعه ردها ، وأنه يجوز أن يسمى ولده بالتعبد لها ، وكذلك يدعو الله عز وجل بها دعاء مسألة ودعاء عبادة . 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق