7- باب مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
1524- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ .
هُنَّ لَهُنَّ ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ .
======================================
قوله : باب مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
المُهَلّ : موضع الإهلال، وأصله : رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام .
قوله : وَقَّتَ : أي حدد، وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به ثم اتسع فيه ، فأطلق على المكان أيضا.
وقال ابن دقيق العيد: قيل إن التوقيت في اللغة التحديد والتعيين .
وقوله هنا " وقت " يحتمل أن يريد به التحديد أي : حد هذه المواضع للإحرام.
وقال عياض: وقت أي : حدد، وقد يكون بمعنى أوجب.
ومنه قوله تعالى : " إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا " انتهى.
ويؤيده الرواية الماضية بلفظ " فرض".
قوله : " ذَا الْحُلَيْفَةِ" مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين ، قاله ابن حزم. وقال غيره: بينهما عشر مراحل ، وقال النووي: بينها وبين المدينة ستة أميال،وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبها بئر يقال لها بئر علي.
قوله : الْجُحْفَةَ : قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة.
وسيأتي في حديث ابن عمر أنها مهيعة بوزن علقمة وقيل بوزن لطيفة، وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها، قال ابن الكلبي: كان العماليق يسكنون يثرب، فوقع بينهم وبين بني عُبِيل - وهم إخوة عاد - حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة ، فجاء سبل فاجتحفهم ، أي : استأصلهم فسميت الجحفة.
والمكان الذي يحرم منه المصريون الآن : رابغ ، قريب من الجحفة، واختصت الجحفة بالحمى فلا ينزلها أحد إلا حم ، كما سيأتي في فضائل المدينة.
قوله : وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ : أما نجد فهو كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق.
والمنازل : جمع المنزل، والمركب الإضافي هو اسم المكان، ويقال له قَرن أيضا بلا إضافة .
وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أن المكان الذي يقال له قرن موضعان: أحدهما في هبوط وهو الذي يقال له قرن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول.
وقرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع، وقيل له قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، وقد وقع ذكره في حديث عائشة في إتيان النبي صلى الله عليه وسلم الطائف يدعوهم إلى الإسلام وردهم عليه قال " فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب " .
ووقع في عبارة القاضي حسين في سياقه لحديث ابن عباس هذا " ولأهل نجد اليمن ونجد الحجاز قرن " ، وهو المعتمد فإن لأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقين: إحداهما طريق أهل الجبال وهم يصلون إلى قرن أو يحاذونه فهو ميقاتهم كما هو ميقات أهل المشرق، والأخرى طريق أهل تهامة فيمرون بيلملم أو يحاذونه وهو ميقاتهم لا يشاركهم فيه إلا من أتى عليه من غيرهم.
قوله : وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ : مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا ويقال لها ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها .
(تنبيه) أبعد المواقيت من مكة ذو الحليفة ميقات أهل المدينة
فقيل الحكمة في ذلك : أن تعظم أجور أهل المدينة .
وقيل : رفقا بأهل الآفاق ؛ لأن أهل المدينة أقرب الآفاق إلى مكة ، أي ممن له ميقات معين.
قوله : هُنَّ لَهُنَّ :أي المواقيت المذكورة لأهل البلاد المذكورة.
قوله : وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ : أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة، ويدخل في ذلك من دخل بلدا ذات ميقات ومن لم يدخل .
فالذي لا يدخل لا إشكال فيه ، إذا لم يكن له ميقات معين .
والذي يدخل فيه خلاف : كالشامي إذا أراد الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ، ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي، فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور .
قوله : مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ : فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام .
قوله : وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ : أي بين الميقات ومكة.
قوله : فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ : أي فميقاته من حيث أنشأ الإحرام إذ السفر من مكانه إلى مكة .
ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصد للنسك ، فجاوز الميقات ، ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه محرم من حيث تجدد له القصد ، ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله " فمن حيث أنشأ".
قوله : حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ : أي لا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه، بل يحرمون من مكة كالآفاقي الذي بين الميقات ومكة ، فإنه يحرم من مكانه ، ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، وهذا خاص بالحاج .
وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل كما سيأتي بيانه في أبواب العمرة.
واختلف فيمن جاوز الميقات مريدا للنسك فلم يحرم، فقال الجمهور: يأثم ويلزمه دم، فأما لزوم الدم فبدليل غير هذا، وأما الإثم فلترك الواجب.
وقد تقدم الحديث من طريق ابن عمر بلفظ " فرضها " وسيأتي بلفظ " يهل " وهو خبر بمعنى الأمر ، والأمر لا يرد بلفظ الخبر إلا إذا أريد تأكيده، وتأكيد الأمر للوجوب .
وسبق في (العلم) بلفظ " من أين تأمرنا أن نهل "
ولمسلم من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة".
وذهب عطاء والنخعي إلى عدم الوجوب، ومقابله قول سعيد بن جبير لا يصح حجه وبه قال ابن حزم.
وقال الجمهور: لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم، قال أبو حنيفة بشرط أن يعود ملبيا، ومالك بشرط أن لا يبعد، وأحمد لا يسقط بشيء.
( ا. هـ . فتح البارى )
الفوائد :
1- أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أراد الحج والعمرة من أهل كل بلد ميقاتا لا يحل لهم تجاوزه بغير إحرام .
2- ميقات أهل المدينة : ذو الحليفة .
ميقات أهل الشام : الجحفة .
ميقات أهل نجد : قرن المنازل .
ميقات أهل اليمن : يلملم .
3- من لم يكن من أهل هذه البلاد فميقاته هو البلد الذى يمر به فى طريق سفره .
4- من كان بين مكة والميقات وأراد الحج أو العمرة فإنه يحرم من مكانه .
5- من أراد دخول مكة ولم يرد الحج أو العمرة فيجوز له تجاوز هذه المواقيت بغير إحرام
6- ميقات أهل مكة لمن أراد الحج مكة نفسها .
وصل اللهم وسلم وبارك على محمد آله وصحبه