بسم الله الرحمن الرحيم
المطلب الأول
معانى التوحيد
بين وصف الغنى والكمال ووصف الافتقار إلى رب العزة والجلال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و بعد
قال تعالى :
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ"
( فاطر : 15 )
بين الله سبحانه فى هذه الآية أن فقر العباد أمر ذاتى لهم ، لاينفك عنهم ..
كما أن كونه غنيا حميدا ، وكونه محمودا على عطائه وصف ذاتى له ..
فحاجة العبد إلى ربه أمر ذاتى يمثل فطرة العبودية .
والغنى بذاته هو الذى لا تعلق له بغيره ، لا فى ذاته ولا فى صفاته ..
فالغنى الحقيقى هو الذى لا حاجة له إلى أحد أصلا
ومن تتعلق ذاته وصفاته بأمر خارج عن ذاته بحيث يتوقف عليه وجوده أو كماله فهو فقير محتاج إلى اكتساب الكمال
فإن أغناه الله من فضله ، فلا يتصور أن يصير غنيا مطلقا ، فإن اقل أموره أنه محتاج إلى من أغناه ، ولكن سمى غنيا لما لم يكن له حاجة إلا إلى الله تعالى .
المؤمن إذا عرف قدره ، وبقى على فطرته متقلبا فى معانى الفقر الذاتى ، لن يقع فى رعونة النفس وجهالتها ، ولن يمكن لها رغبتها فى أن تتشبه بربها فى وصف الغنى الذاتى
بل يرى نفسه مملوكا لله الغنى ، فنفسه مملوكة ، وأعماله مستحقة بموجب العبودية ، فليس مالكا لنفسه ، ولا لشئ من بدنه ، ولا من أعماله .
ولايرى نفسه مالكا إلا من جهة الأمانة والحكم الشرعى ، كما كان شأن النبى صلى الله عليه وسلم فيما خوله الله و استأمنه و استرعاه ؛ أنه قاسم يضع الدنيا حيث أمره ربه .
فالله عز وجل هو المالك الحق ، وكل ما بيد خلقه هو من خزائنه أفاضها عليهم ليمتحنهم فى البذل والعطاء والبخل والإمساك .
هل يبذل أحدهم الشئ رغبة فى ثوابه ورهبة من عقابه وتقربا إليه ؟
أم يكون البذل والإمساك صادرا عن غلبة الهوى وموجب الطبع ، فيعطى لهواه ويمنع لهواه ؟
فيكون متصرفا تصرف المالك لا المملوك ، فمصدر تصرفه الهوى ، وغايته الرغبة فيما عند الخلق من جاه أو منزلة أو مدح أو حظ من الحظوظ ، أو الرهبة من فوات شئ من ذلك ؛ فيرى نفسه مالكا غنيا مستغنيا طاغيا ، فنسى فقره ، وخرج عن حد العبودية .
ولايرى نفسه مالكا إلا من جهة الأمانة والحكم الشرعى ، كما كان شأن النبى صلى الله عليه وسلم فيما خوله الله و استأمنه و استرعاه ؛ أنه قاسم يضع الدنيا حيث أمره ربه .
" ما أعطيكم ولا أمنعكم ، إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت "
فالله عز وجل هو المالك الحق ، وكل ما بيد خلقه هو من خزائنه أفاضها عليهم ليمتحنهم فى البذل والعطاء والبخل والإمساك .
هل يبذل أحدهم الشئ رغبة فى ثوابه ورهبة من عقابه وتقربا إليه ؟
أم يكون البذل والإمساك صادرا عن غلبة الهوى وموجب الطبع ، فيعطى لهواه ويمنع لهواه ؟
فيكون متصرفا تصرف المالك لا المملوك ، فمصدر تصرفه الهوى ، وغايته الرغبة فيما عند الخلق من جاه أو منزلة أو مدح أو حظ من الحظوظ ، أو الرهبة من فوات شئ من ذلك ؛ فيرى نفسه مالكا غنيا مستغنيا طاغيا ، فنسى فقره ، وخرج عن حد العبودية .
توحيد العبودية ووصف الحاجة والافتقار
إن الحاجة إلى الغير إذا بلغت حد الاضطرار ، فهى تعبد وذل وخضوع وافتقار ، ومعلوم أن جميع الخلائق محتاجون إلى الله تعالى فى كل نفس ولحظة ، فوجودهم به ، وبقاؤهم فى الدنيا والآخرة بإبقائه سبحانه .
وهو تعالى لم يسمهم الفقراء فى الآية تحقيرا لشأنهم ، بل لدعوتهم إلى الاستغناء به وعدم الاستغناء بأنفسهم .
طمأنينة القلب فى الافتقار للرب تعالى وحده:
الله تعالى هو الذى خلق عيبده وأمدهم بالرزق فى الدنيا والآخرة ، فإذا أيقن العبد بأن الخلق والأمر لله ، اطمئن قلبه إلى أن حوائجه ستقضى ، وأنه لابد من وصول الرزق إليه فى وقته ، فلم يكن عليه إلا مراعاة أحكام العبودية ، وتمييز الحلال من الحرام .
إن صلاح العبد وفلاحه فى الافتقار إلى الغنى عز وجل ، ودعائه ، وطلب حوائجه منه ، وعبادته والاستعانة به .
وهلاك العبد وشقاؤه وضرره العاجل والآجل فى عبادة المخلوق والاستعانة به .
وكل ما أمله من المخلوق فى قضاء حاجته فلابد أن يخذل ؛ إلا من جهة ما أجرى الله على ايدى الأحياء من الأسباب .
وهذا ثابت بالكتاب والسنة ومعلوم بالتجارب .
الله تعالى يحسن إلى عبده ، لا لجلب منفعة إليه من العبد ، ولا لدفع مضرة ، بل رحمة منه وإحسانا ولطفا وإنعاما .
وأما العباد فهم لفقرهم وحاجتهم إنما يحسن بعضهم إلى بعض لحاجتهم إلى ذلك ، وانتفاعه بهم ، ولولا تصور ذلك النفع لما أحسن إليه فهو فى الحقيقة محسن إلى نفسه ، وجعل إحسانه إلى غيره وسيلة لوصول نفع ذلك الإحسان إليه .
فهو إما أن يريد الجزاء فى العاجل فيحصل ماهو محتاج إليه من ثناء ومدح ..
وإما أن يريد الجزاء فى الآخرة ، فهو محسن إلى نفسه بذلك أيضا ، وإنما أخر جزاءه إلى يوم فقره الأعظم .
وهو غير ملوم فى هذا القصد ؛ لأنه فقير وفقره من لوازم ذاته ، فكماله أن يحرص على ما ينفعه ، ولا يعجز عنه .
إن المخلوق لايقصد منفعتك بالقصد الأول ، بل إنما يقصد انتفاعه بك ، فإرادة المخلوق نفعك قد تكون فيها مضرة ، ولو بتحمل منته .
وهذا حال الخلق كلهم بعضهم مع بعض ، وهو حال الولد مع والده ، والشريك مع شريكه ، والزوج مع زوجه .
فغالب الخلق يريدون قضاء حاجاتهم منك ولو أضر ذلك بدينك ودنياك ، والرب تعالى إنما يريد نفعك لا انتفاعه بك ، ويريدك لك ويريد الإحسان إليك ، ودفع الضرر عنك ، فكيف تعلق أملك وخوفك ورجاءك بغيره .
فتدبر هذا فإن ملاحظته تمنعك أن ترجو المخلوق أو تعامله دون الله إلا بما شرع الله، أو تطلب منه نفعا أو دفعا إلا بما شرع الله لك ، أو تعلق قلبك به .
السعادة فى معاملة الخلق :
فالسعيد من عامل الخلق لله لا لهم ، وأحسن إليهم لله تعالى ، وخاف الله تعالى فيهم ، ورجا الله بالإحسان غليهم ولم يرجهم مع الله ، وأحبهم لحب الله ولم يحبهم مع الله .
يتبعطمأنينة القلب فى الافتقار للرب تعالى وحده:
الله تعالى هو الذى خلق عيبده وأمدهم بالرزق فى الدنيا والآخرة ، فإذا أيقن العبد بأن الخلق والأمر لله ، اطمئن قلبه إلى أن حوائجه ستقضى ، وأنه لابد من وصول الرزق إليه فى وقته ، فلم يكن عليه إلا مراعاة أحكام العبودية ، وتمييز الحلال من الحرام .
إن صلاح العبد وفلاحه فى الافتقار إلى الغنى عز وجل ، ودعائه ، وطلب حوائجه منه ، وعبادته والاستعانة به .
وهلاك العبد وشقاؤه وضرره العاجل والآجل فى عبادة المخلوق والاستعانة به .
الخذلان فى الاعتماد على المخلوق :
اعتمادالعبد على المخلوق ، يوجب له الضرر ؛ لأن فقيرا بذاته اعتمد على فقير مثله .وكل ما أمله من المخلوق فى قضاء حاجته فلابد أن يخذل ؛ إلا من جهة ما أجرى الله على ايدى الأحياء من الأسباب .
وهذا ثابت بالكتاب والسنة ومعلوم بالتجارب .
الباعث لفعل المخلوق فقره
أما الخالق فليس كذلك
الله تعالى يحسن إلى عبده ، لا لجلب منفعة إليه من العبد ، ولا لدفع مضرة ، بل رحمة منه وإحسانا ولطفا وإنعاما .
وأما العباد فهم لفقرهم وحاجتهم إنما يحسن بعضهم إلى بعض لحاجتهم إلى ذلك ، وانتفاعه بهم ، ولولا تصور ذلك النفع لما أحسن إليه فهو فى الحقيقة محسن إلى نفسه ، وجعل إحسانه إلى غيره وسيلة لوصول نفع ذلك الإحسان إليه .
فهو إما أن يريد الجزاء فى العاجل فيحصل ماهو محتاج إليه من ثناء ومدح ..
وإما أن يريد الجزاء فى الآخرة ، فهو محسن إلى نفسه بذلك أيضا ، وإنما أخر جزاءه إلى يوم فقره الأعظم .
وهو غير ملوم فى هذا القصد ؛ لأنه فقير وفقره من لوازم ذاته ، فكماله أن يحرص على ما ينفعه ، ولا يعجز عنه .
إن المخلوق لايقصد منفعتك بالقصد الأول ، بل إنما يقصد انتفاعه بك ، فإرادة المخلوق نفعك قد تكون فيها مضرة ، ولو بتحمل منته .
وهذا حال الخلق كلهم بعضهم مع بعض ، وهو حال الولد مع والده ، والشريك مع شريكه ، والزوج مع زوجه .
فغالب الخلق يريدون قضاء حاجاتهم منك ولو أضر ذلك بدينك ودنياك ، والرب تعالى إنما يريد نفعك لا انتفاعه بك ، ويريدك لك ويريد الإحسان إليك ، ودفع الضرر عنك ، فكيف تعلق أملك وخوفك ورجاءك بغيره .
فتدبر هذا فإن ملاحظته تمنعك أن ترجو المخلوق أو تعامله دون الله إلا بما شرع الله، أو تطلب منه نفعا أو دفعا إلا بما شرع الله لك ، أو تعلق قلبك به .
فالسعيد من عامل الخلق لله لا لهم ، وأحسن إليهم لله تعالى ، وخاف الله تعالى فيهم ، ورجا الله بالإحسان غليهم ولم يرجهم مع الله ، وأحبهم لحب الله ولم يحبهم مع الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق